قبل ايام كنت استمع الى احدى الفضائيات المصرية في نقاش حول تعاطي الإعلام مع مشكلات المجتمع المصري، وهو مجتمع كبير جدا ولديه من القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية عشرات الاضعاف مما لدينا في الأردن، بحكم اتساع المجتمع وطبيعته، بل إنّ بعض المشكلات استوطنت بسبب ضعف الحلول.
الملفت ما قاله أحد الضيوف من وصف دقيق بأنّ المجتمع أو بعضه عندما يكشف الإعلام عن مشكلاته، ويرفع الغطاء عن ممارسات في كل المجالات. هذا المجتمع يصاب بصدمة، أو كما قال الضيف باللهجة المصرية (بخضة)، وترتفع الأصوات مستهجنة أو رافضة لفكرة الحديث عن المشكلات وبخاصة الصعبة، ربما لأنها لا تتوقع أن تكون هناك مشكلات من هذا النوع، أو بحرص مثل الأب الذي يكتشف أنّ لدى ابنه مشكلة، وهو من شدة حرصه وحبه لابنه لا يريد أن يقول له أحد إنّ هناك مشكلة، لكن هذا لا يلغي وجودها ولا يمثل حلا.
الضيف المصري الشقيق قدم وصفا للمراحل أوّلها (الخضة) ثم استيعاب الأمر، وتقبل وجود مشكلات، وتحديدا الصعبة، لينتقل بعدها إلى الخطوة الأهم وهي البحث عن الحل، وهذه مرحلة إيجابية حتى لو تأخر الحل. ولعل العديد من المجتمعات، بما فيها نحن، قد تقدمنا كثيرا في تقبل وجود مشكلات حتى من العيار الثقيل، لكن ما تزال بعض القضايا تجد مقاومة في طرحها، والسبب ليس نقص معرفة لدى المواطن، وانما غيرة صادقة وحرص فطري على وطنه ومجتمعه وبلده.
ما نزال نجد الصدمة، التي اعتقد انها ايجابية من حيث المبدأ، عندما يتم طرح قضية من المشكلات الصعبة في برنامج تلفزيوني او صحيفة او اذاعة. ولهذا تجد البعض يعبر عن صدقه بغضب واتهام، ولو بسيط، بأن هذا إساءة للبلد، وهو صدق جميل، لكن يجب أن يصاحبه قناعة أخرى بأن أي مجتمع حيّ فيه مشكلات، وأن العيب ليس في وجود المشكلة، بل في تغطيتها أو إغماض العيون عنها أو القفز عن الواجب الأساسي، وهو إيجاد الحل. لأن المشكلات في أي مجتمع أشبه بالمرض في الجسد، فإن خجل الشخص من مرضه وأخفاه تحول إلى حالة مستعصية، لكن العاقل من يشخص مرضه ويبحث عن العلاج.
إذا عدت إلى حوار الأشقاء المصريين، فقد تحدث الضيف عن تطور نوعي في سلوك اي مجتمع تجاه مشكلاته، وهذا مرتبط بالسؤال الذي يطرحه الناس عند اكتشفاهم لمشكلة ما: أين الحكومة؟ وهو سؤال يصلح لكثير من المشكلات، لكن في أحيان كثيرة يجب أن يرافق هذا السؤال عن الحكومة سؤال اخر: اين نحن؟ أو أين أنا، كفرد اومواطن او كأسرة أو كصاحب مال أو قلم أو مدرّس أو حزب.
فالتحولات، التي جرت في دولنا ومجتمعاتنا، لم تعد معها الحكومات هي السبب وراء كل المشكلات، وليست ايضا هي الحل لكل المشكلات. وما أقصده ان هناك ادوارا وواجبات علينا في ايجاد حلول لمشكلاتنا، وهذا لا يعفي الحكومات من مسؤولياتها، لكن علينا ايضا الا نغمض عيوننا عن مسؤولياتنا كمواطنين ومؤسسات، ولو توقف أحدنا عند اي مشكلة لوجد أن بامكان الناس أن تقدم شيئا لحلها ولو بنسبة ما.
وإذا عدنا إلى الإعلام، فإن من واجبه ليس فقط فتح الملفات الصعبة، وإثارة المشكلات، بل أيضا البحث عن الأسلوب الحكيم البعيد عن التشهير بالذات او التضخيم والمبالغة.
فهناك فضائيات عربية تطرح قضايا صعبة ومهمة، لكن بأسلوب يكون هدفه الإصلاح، وهناك فضائيات ووسائل إعلام أخرى تطرح قضايا ومشكلات عادية، لكن بأسلوب مستفز وفضائحي، فتسيء للمجتمع الذي تتحدث عنه ولا تفتح باباً للحل.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة