الاستحسان في النحو العربي
حيث يطلق الاستحسان على ميل الفرد إلى الشيء، وإن كان مستقبحا عند الغير، وهو حكم بالتقدير والترجيح.
1 ـ وأكثر استخدامه في علم الأخلاق، وعلم الجمال، أما في المنطق فإن استعماله نادر، ويغلب إطلاقه عند علماء الأصول على القياس الخفي المقابل للقياس الجلي.
2ـ وقيل إنه أي الاستحسان دليل ينقدح في النفس ويعسر التعبير عنه، وقيل إنه العدول عن القياس إلى قياس أقوى منه، أو العدول إلى خلاف الظن لدليل أقوى، أو العدول عن حكم الدليل إلى العادة والمصلحة.
3 ـ وقد اتى في تعريفات الجرجاني : أن الاستحسان هو ترك القياس، والأخذ بما هو أوفق للناس.
4 ـ والاستحسان قد يطلق على ما ثبت بالنص والإجماع والضرورة، لكن الغالب في كتب أصحابنا أنه إذا ذكر الاستحسان يراد به القياس الخفي.
5 ـ الاستحسان ايضا : هو ترك القياس والأخذ بما هو أرفق للناس قال السيد: "هو في اللغة: عد الشيء واعتقاده حسناً، واصطلاحاً: هو اسم لدليل من الأدلة الأربعة يعارض القياس الجلي ويعمل به إذا كان أقوى منه، وسموه بذلك لأنه في الأغلب يكون أقوى من القياس الجلي فيكون قياساً مستحسناً، قال الله تعالى: {فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} [الزمر:17، 18]. قال البزدوي: "هو أحد القياسين".
6 ـ والمراد بالاستحسان في كتاب الاستحسان : استخراج المسائل الحسان.
7 ـ القياس الخفي: وهو ما يكون بخلاف الاول، ويسمى الاستحسان، لكنه أعم من القياس الخفي، فإن كل قيسا خفي استحسان، وليس كل استحسان قياسا خفيا. لان الاستحسان قد يطلق على ما ثبت بالنص، والاجماع، والضرورة، لكن في الاغلب إذا ذكر الاستحسان يراد به القياس الخفي.
8 ـ وأما الاستحسان فهو ما تفرد به أبو حنيفة وأصحابه ولذلك سموا أصحاب الرأي.
9 ـ الاستحسان : ليس بدليل مخصص للقياس، بل عدم حكم القياس لعدم العلة.
10 ـ قال العلامة زكرياء السنيكي المتوفى سنة 926 هـ في كتابه (الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة) : في الاستحسان دليل ينقدح في نفس المجتهد تقصر عبارته عنه وليس بحجة.
11 ـ وقال الجوهري في الصحاح وذلك في الجزء الأول صفحة 394 : والاستقباح: ضد الاستحسان.
12 ـ قال الفيومي في المصباح المنير وذلك في الجزء 1 ص 117 من كتابه : ويكون الاستحباب بمعنى الاستحسان.
13 ـ وذكر التهانوي في كشاف اصطلاحات الفنون وذلك في الجزء 2 صفحة 1759 : الوجوب: بالضم وتخفيف الجيم في اللغة هو الثبوت وفي العرف هو الاستحسان والأولوية، يقال يجب أي يستحسن ويسمّى بالوجوب العرفي والاستحساني، ويقابله الوجوب العقلي والشرعي.
15 أخرج أحمد في مسنده، 1/ 379 عن عبد الله بن مسعود بلفظ: «إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فأبعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن. وما رأوه سيئا فهو عند الله سيئ». وعند أبي داود الطيالسي بلفظ: «فما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن، وما رآه قبيحا فهو عند الله قبيح». المسند 33. أخرجه أحمد في المسند، 1/ 379 .
16 ـ وقال الجرجاني في التعريفات : الاستحسان : في اللغة: هو عد الشيء واعتقاده حسنًا، واصطلاحًا: هو اسم لدليل من الأدلة الأربعة يعارض القياس الجلي ويعمل به إذا كان أقوى منه؛ سموه بذلك لأنه في الأغلب يكون أقوى من القياس الجلي، فيكون قياسًا مستحسنًا، قال الله تعالى: {فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} .
17-قال الليث: الحجر وجمعه الحجارة وليس بقياس، لأن الحجر وما أشبهه يجمع على أحجار، ولكن يجوز الاستحسان في العربية كما أنه يجوز في الفقه. انظر تهذيب اللغة للأزهري المتوفي سنة 370 هـ، الجزء 4 صفحة 80.
18 ـ يقول علاء الدين البخاري الحنفي المتوفى سنة 730 هـ في كتابه كشف الأسرار شرح أصول البزدوي في الجزء 4 صفحة 3 : واعلم أن بعض القادحين في المسلمين طعن على أبي حنيفة، وأصحابه - رحمهم الله - في تركهم القياس بالاستحسان، وقال: حجج الشرع الكتاب والسنة والإجماع والقياس، والاستحسان قسم خامس لم يعرف أحد من حملة الشرع سوى أبي حنيفة، وأصحابه أنه من دلائل الشرع، ولم يقم عليه دليل بل هو قول بالتشهي فكان ترك القياس به تركًا للحجة لاتباع هوى أو شهوة نفس فكان باطلًا ثم قال إن القياس الذي تركوه بالاستحسان إن كان حجةً شرعيةً فالحجة الشرعية حق، وماذا بعد الحق إلا الضلال، وإن كان باطلًا فالباطل واجب الترك، ومما لا يشتغل بذكره، وإنهم قد ذكروا في بعض المواضع أنا نأخذ بالقياس ونترك الاستحسان به فكيف يجوزون الأخذ بالباطل والعمل به، وذكر من هذا الجنس ما يدل على قلة الورع، وكثرة التحيز والعداوة.
19 ـ وقال أيضا علاء الدين البخاري الحنفي المتوفى سنة 730 هـ في كتابه كشف الأسرار شرح أصول البزدوي في الجزء 4 صفحة 3 : ونقل عن الشافعي أيضًا أنه بالغ في إنكار الاستحسان، وقال من استحسن فقد شرع وكل ذلك طعن من غير روية، وقدح من غير وقوف على المراد فأبو حنيفة - رحمه الله - أجل قدرًا، وأشد ورعًا من أن يقول في الدين بالتشهي أو عمل بما استحسنه من دليل قام عليه شرعًا فالشيخ - رحمه الله - عقد الباب لبيان المراد من هذا اللفظ والكشف عن حقيقته دفعًا لهذا الطعن فقال: بعدما قسم كل واحد من القياس والاستحسان على نوعين، وإنما الاستحسان عندنا أحد القياسين واختلف عبارات أصحابنا في تفسير الاستحسان الذي قال به أبو حنيفة - رحمه الله - قال بعضهم هو العدول عن موجب قياس إلى قياس أقوى منه كما أشار إليه الشيخ، ولكن لم يدخل في هذا التعريف الاستحسان الثابت بدليل آخر غير القياس مثل ما ثبت بالأثر أو الإجماع والضرورة إلا أن مقصود الشيخ ما سنذكره. وقال بعضهم هو تخصيص قياس بدليل أقوى منه، وهذا اللفظ، وإن عم جميع أنواع القياس، ولكنه يشير إلى أن الاستحسان تخصيص العلة، وإنه ليس بتخصيص وعن الشيخ أبي الحسن الكرخي - رحمه الله - أن الاستحسان هو أن يعدل الإنسان عن أن يحكم في المسألة بمثل ما حكم به في نظائرها إلى خلافه لوجه أقوى يقتضي العدول عن الأول ويلزم عليه أن يكون العدول عن العموم إلى التخصيص وعن المنسوخ إلى الناسخ استحسانًا، وليس كذلك ويلزم على جميع هذه العبارات قول أبي حنيفة - رحمه الله - في بعض المواضع تركت الاستحسان بالقياس؛ لأنه يصير حينئذ كأنه، قال تركت القياس الأقوى أو الدليل الأقوى بالأضعف، وإنه غير جائز. وأجيب عنه بأن المتروك سمي استحسانًا؛ لأنه أقوى من القياس وحده، ولكن اتصل بالقياس معنًى آخر صار ذلك المجموع أقوى من الاستحسان فلذلك ترك العمل به، وأخذ بالقياس. وقال بعض أصحابنا الاستحسان هو القياس الخفي، وإنما سمع به؛ لأنه في الأكثر الأغلب يكون أقوى من القياس الظاهر فيكون الآخذ به مستحسنًا.
20 ـ قال ابن الهمام في فتح القدير الجزء 2 صفحة 20 : فالجواب أن مرادهم من الاستحسان ما خفي من المعاني التي يناط بها الحكم ومن القياس ما كان ظاهرًا متبادرًا فظهر من هذا أن الاستحسان لا يقابل القياس المحدود في الأصول بل هو أعم منه، قد يكون الاستحسان بالنص وقد يكون بالضرورة وقد يكون بالقياس إذا كان لقياس آخر متبادر وذلك خفي وهو القياس الصحيح، فيسمى الخفي استحسانًا بالنسبة إلى ذلك المتبادر فثبت به أن مسمى الاستحسان في بعض الصور هو القياس الصحيح، ويسمى مقابله قياسًا باعتبار الشبه وبسبب كون القياس المقابل ما ظهر بالنسبة إلى الاستحسان ظن محمد بن سلمة أن الصلبية هي التي تقوم مقام سجدة التلاوة لا الركوع، وكان القياس على قوله أن تقوم الصلبية، وفي الاستحسان لا تقوم بل الركوع؛ لأن سقوط السجدة بالسجدة أمر ظاهر فكان هو القياس، وفي الاستحسان لا يجوز؛ لأن هذه السجدة قائمة مقام نفسها فلا تقوم مقام غيرها، كصوم يوم من رمضان لا يقوم عن نفسه وعن قضاء يوم آخر، فصح أن القياس وهو الأمر الظاهر هنا مقدم على الاستحسان، بخلاف قيام الركوع مقامها وأن القياس يأبى الجواز؛ لأنه الظاهر، وفي الاستحسان يجوز وهو الخفي فكان حينئذ من تقديم الاستحسان لا القياس، لكن عامة المشايخ على أن الركوع هو القائم مقامها، كذا ذكره محمد - رحمه الله - في الكتاب، فإنه قال: قلت فإن أراد أن يركع بالسجدة نفسها هل يجزئه ذلك؟ قال: أما في القياس فالركوع في ذلك والسجدة سواء؛ لأن كل ذلك صلاة، وأما في الاستحسان فينبغي له أن يسجد، وبالقياس نأخذ وهذا لفظ محمد.
21- وقال أبو الحسين البصري المتوفى سنة 436 هـ في كتابه المعتمد في أصول الفقه الجزء 2 صفحة 296 : والكلام في الاستحسان على ما فسره أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه يقع في المعنى ويقع في العبارة أما في المعنى فهو أن بعض الأمارات قد يكون أقوى من بعض ويجوز العدول من أمارة إلى أخرى من غير أن تفسد الاخرى وذلك راجع إلى تخصيص العلة وقد تقدم القول في ذلك ومن الكلام في المعنى الكلام في حد الاستحسان وأما الكلام في العبارة فهو أن لتسميتهم ذلك استحسانًا وجه صحيح.
22 ـ وقال أيضا أبو الحسين البصري المتوفى سنة 436 هـ في كتابه المعتمد في أصول الفقه الجزء 2 صفحة 296 : وأما حد الاستحسان فقد اختلف فيه فحده بعضهم بانه العدول عن موجب قياس إلى قياس أقوى منه وهذا باطل لأنهم يستحسنون إذا عدلوا إلى نص كما لا يستحسنون أن لا قضاء على الآكل ناسيا في صومه وتركهم القياس في ذلك للخبر، وحده بعضهم بأنه تخصيص قياس بدليل هو أقوى منه وهذا باطل لأنهم قد يعدلون في الاستحسان عن قياس وعن غير قياس، وحده بعضهم بأنه ترك طريقة للحكم إلى أخرى أولى منها لولاها لوجب الثبات على الأولى، ويقرن هذا من وجه أبي الحسن رحمه الله وهو قوله الاستحسان هو ان يعدل الإنسان عن أن يحكم في المسألة بمثل ما حكم به في نظائرها إلى خلافه لوجه هو أقوى من الأول يقتضي العدول عن الأول وهذا يلزم عليه أن يكون العدول عن العموم إلى التخصيص استحسانًا ويلزم عليه أن يكون القياس الذي يعدل إليه عن الاستحسان استحسانًا.
23 ـ ويلزم أن يقال الاستحسان هو ترك وجه من وجوه الاجتهاد غير شامل شمول الألفاظ لوجه هو أقوى منه وهو في حكم الطارىء على الأول ولا يلزم على ذلك قولهم تركنا الاستحسان بالقياس لأن القياس الذي تركوا له الاستحسان ليس في حكم الطارىء بل هو الأصل ولذلك لم يصفوه بأنه استحسان وإن كان أقوى في ذلك الموضع مما تركوه.
24 ـ معنى الاستحسان عند الأصوليين: الاستحسان يطلق على عدة معانٍ، بعضها صحيح اتفاقًا، وبعضها باطل اتفاقًا. فالمعنى الصحيح باتفاق هو أن الاستحسان: ترجيح دليل على دليل، أو هو العمل بالدليل الأقوى أو الأحسن. وهذا ما يعبر عنه بـ"العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل شرعي خاص" . أما المعنى الباطل للاستحسان فهو: "ما يستحسنه المجتهد بعقله" ؛ يعني: بهواه وعقله المجرد دون استناد إلى شيء من أدلة الشريعة المعتبرة. وإذا تبين أن للاستحسان معنيين متقابلين أحدهما صحيح اتفاقًا والآخر باطل اتفاقًا فلا بد من التنبيه على ما يأتي:
أولاً: أن لفظ الاستحسان من الألفاظ المجملة، فلا يصح لذلك إطلاق الحكم عليه بالصحة أو البطلان.
ثانيًا: أن من أثبت الاستحسان من أهل العلم وأخذ به فإنما أراد المعنى الصحيح قطعًا.
ثالثًا: أن من أنكر الاستحسان من أهل العلم وشنع على من قال به فإنما أراد المعنى الباطل قطعًا. انظر كتاب معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة تأليف محمد الجيزاني صفحة 230
.25 ـ قال الشاطبي في موافقاته الجزء 5 صفحة 193 : لهم في الاستحسان عبارات: منهم أنه العدول عن قياس إلى قياس أقوى، ومنها تخصيص قياس بأقوى منه، وعلى هذين لا يخالف فيه أحد، إلا انه ليس دليلًا شرعيًا زائدًا، ومنها دليل ينقدح في ذهن المجتهد يعسر عليه التعبير عنه، فإن كان بمعنى أنه مؤد إلى الشك فيه، فباطل أن يكون دليلًا، وإن كان على أنه ثابت متحقق، فليس بزائد عن الأدلة، ومنها العدول عن حكم الدليل إلى العادة لمصلحة الناس، كدخول الحمام، والشرب من السقاء، مما لا يحدد فيه زمان الانتفاع ولا مقدار المأخوذ من الماء، فقيل عليه: إن كانت العادة ثابتة في زمنه عليه السلام، فقد ثبت الحكم بالسنة لا بالاستحسان، وإن كانت في عصر الصحابة من غير إنكار منهم فإجماع، وإن كانت غيره عادة، فإن كان نصا أو قياسًا مما ثبتت حجيته، فقد ثبت بذلك كالأمثلة التي ذكرها المؤلف من القرض والعرية وجمع الصلاتين، وكذا سائر الترخصات التي وردت أدلتها بالنص أو القياس، وبه تعلم ما في قوله: "هذا نمط من الأدلة ... إلخ"، وقوله: "وله في الشرع أمثلة ... إلخ" الذي يفيد ظاهره أن هذه المواضع مما فيه تقديم الاستدلال المرسل على القياس، وليس كذلك إذ هي ثابتة بالنص، وأما إن كان شيئًا آخر لم يثبت حجيته، فهو مردود، قال الباجي : "الاستحسان الذي ذهب إليه أصحاب مالك هو العدول إلى أقول الدليلين، كتخصيص بيع رطب العرايا من بيع الرطب بالتمر"، قال: "وهذا هو الدليل، فإن سموه استحسانًا، فلا مشاحة في التسمية"، قال ابن الأنباري: "الذي يظهر من مذهب مالك القول بالاستحسان لا على المعنى السابق، بل هو استعمال مصلحة جزئية في قياس كلي، فهو يقدم الاستدلال المرسل على القياس، ومثاله لو اشترى سلعة بالخيار ثم مات فاختلفت ورثته في الإمضاء والرد، قال أشهب: القياس الفسخ، ولكنا نستحسن إذا قبل البعض الممضي نصيب الراد إذا امتنع البائع من قبوله أن نمضيه"، قال ابن الحاجب: "لا يتحقق استحسان مختلف فيه"، وتبعه على ذلك من بعده.
26 ـ قال قال الجصاص في كتابه الفصول في الأصول الجزء 4 صفحة 240 : وربما جاءت مسائل يذكرون فيها القياس و الاستحسان، ثم يقولون: وبالقياس نأخذ فيتركون الاستحسان. وذلك نحو قولهم - فيمن أسلم إلى رجل في ثوب موصوف، ثم اختلفا - فقال رب السلم: شرطت طوله عشرة أذرع، وقال المسلم إليه، شرطت طوله خمسة أذرع أن القياس أن يتحالفا ويترادا السلم، والاستحسان أن يكون القول قول المسلم إليه: وبالقياس نأخذ. فذكروا القياس والاستحسان جميعًا، ثم تركوا الاستحسان وأخذوا بالقياس. ووجه القياس فيه: أنهما لو اختلفا في جنس الثوب، فقال أحدهما: مروي وقال الآخر: هروي أو اختلفا في صفته، فقال أحدهما: جيد، وقال الآخر: رديء، أنهما يتحالفان، ويترادان، لأن السلم عقد على صفة، واختلافهما في الجنس اختلاف في الصفة وكذلك اختلافهما في الجودة والرداءة، وكأن ذلك اختلافًا في نفس المعقود عليه، إذ كان السلم عقدًا على صفة، فوجب على هذا الأصل أن يكون اختلافهما في مقدار الذرع وأما الاستحسان الذي ذكره: فإن وجهه أن رجلًا لو اشترى من رجل ثوبًا بعينه ثم اختلفا فيما شرط من مقدار ذرعه. وقال البائع: شرط خمسة أذرع، وقال المشتري: شرط عشرة أذرع، أن القول قول البائع ولا يتحالفان، ولا يترادان فكان هذا وجه الاستحسان، وهو ضرب من القياس (إلا أن القياس الذي أخذ به كان أولى من هذا القياس) الذي سماه استحسانًا، وكان إلحاق مسألة السلم باختلافها في الجودة والجنس، أولى منها بمسألة اختلافهما في ذرع الثوب المعين، وذلك لأن الذرع لما كان صفةً، وكانت صفة الأعيان مما لا يتعلق عليها العقد بدلالة أن من اشترى ثوبًا على أنه عشرة أذرع، فوجده أقل كان بالخيار، إن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء ترك، ولم يكن له أن ينقص من الثمن بحساب (نقصان الذرع، ولو وجده أكثر كان جميعه له، ولم يرد عليه من الثمن بحسبان) زيادة الذرع. فعلمت أن الذرع في الأعيان لا يتعلق عليه العقد، فلم يكن اختلافهما في الذرع اختلافًا في نفس المعقود عليه، فلذلك لم يجب فيه التحالف والتراد.
27 ـ ومن الكتب التي ألفت في الاستحسان كتاب الاستحسان ونماذج من تطبيقاته في الفقه الإسلامي تأليف فاروق عبد الله كريم والكتاب عبارة عن دراسة فقهية تتناول الاستحسان على وجه البسط وبالصورة التي تتناسب وأهميته بتحديد عناصره وتعريفه وتحليل جزئياته وبيان حقيقة الخلاف فيه على ما ينبغي وقد اعتمد على آراء كثير من الفقهاء في بيان ذلك والكتاب يقع في حوالي 480 صفحة، ومن الكتب التي ألفت أيضا في الاستحسان كتاب الاستحسان في الشريعة الإسلامية (موقعه بين أصول التشريع وتطبيقاته الفقهية المعاصرة) تأليف : راسم محمد عبد الكريم وهو يقع في 608 صفحة، وهناك أيضا كتاب الإستحسان وحجيته عند الأصوليين تأليف : عبد الله ربيع عبد الله محمد وهو يتحدث عن معنى الاستحسان لغةً واصطلاحـًا مع مناقشة التعريفات التي تحتاج إلى مناقشة ، وبيان أقوال العلماء في هذه التعريفات واختيـار أرجحها , ثم يوضـح تحرير محل النزاع وأنواع الاستحسان وحجيته ، كما يعرض أقوال العلماء وأدلتهم ومناقشة ما يمكن مناقشته من الأدلة مع بيان القول الراجح . وقد ظهر خلال الدراسة أن هناك مسائل يترجح فيها العمل بالاستحسان على العمل بالقياس وهي كثيرة لا تقف عند حصر ، كما أن هناك مسائل يترجح فيها العمل بالقياس على العمل بالاستحسان وهي قليلة معدودة وقد حصرت في البحث . فهذا الكتاب تناول كل ما سبق بتناول حسن وصياغة جيدة ، كما أن هذا الكتاب يتميز بوضوح الفكرة والرؤية وسلامة النتائج . ويقرب مسائل الأصول إلى دارسيها ، ويتمكن الباحث بعد قراءته من استيعاب أصل مهم من أصول الفقه وتفهمه من ناحية ، والقدرة على التعامل مع كتب التراث الأصولي من ناحية أخرى ويقع هذا الكتاب في 120 صفحة، وهناك أيضا كتاب اسمه الاستحسان و صلته بالاجتهاد المقاصدي: دراسةً و تطبيقاً تأليف : د. إلياس دردور ويقع الكتاب في 686 صفحة، ومن الكتب التي ألفت في الاستحسان رسالة تحت عنوان قاعدة في الاستحسان لا بن تيمية رحمه الله، وهناك أيضا كتاب الاستحسان تأليف مصطفى جمال الدين وهو يقع في 308 صفحة، وهناك كتاب إبطال الاستحسان للإمام الشافعي، وكتاب نظرية الإستحسان للكاتب : د. أسامة الحموي يقع في 193 صفحة، وهناك أيضا كتاب نظرية الاستحسان في التشريع الإسلامي وصلتها بالمصلحة المرسلة تأليف : الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور ويقع في 152 صفحة، ولا ننسى كتاب الاستحسان حقيقته أنواعه حجيته تطبيقاته المعاصرة ليعقوب بن عبد الوهاب الباحسين ويقع في 247 صفحة.
28 ـ استحسان النحاة : وهو ما استحسنه النحاة وارتضوه، وذلك بعد عرضه على الأصول النحوية السابقة؛ كالسماع، والقياس، والإجماع، وهذا النوع أيضًا وجدناه في أبواب الاستغناء. والعرب هم الذين استحسنوا (ترك)، وتركوا (ودع)، واستحسنوا جمع القلة، وتركوا جمع الكثرة، والعكس في المواضع السابق ذكرها، ومن المؤكد أن الاستغناء كله قائم على الاستحسان لدى العرب الفصحاء؛ لذا وجب الأخذ به؛ لأن العرب كثيرًا ما عبروا عن المراد بلفظ غير الموضوع له لضرب من الإيجاز والاستحسان.
29 ـ وأما أمثلة الاستحسان في النحو، فمنها أن فعل الأمر لا يشابه الاسم؛ حتى يحمل عليه في الإعراب بخلاف المضارع، فإنه يشبه الاسم لوجود حرف المضارعة، وليس في لفظ الأمر هنا حرف مضارعة يشبه به الاسم؛ فعند ذلك يجب أن يكون مبنيًّا ، ومن ذلك ما كان على (فعل)، فإنه على (يفعل)، وليس لمصادر المضاعف ولا الثلاثي كله قياس يحتمل عليه، وإنما ينتهي فيه إلى السماع أو الاستحسان ، ومن ذلك أعني الاستحسان أيضًا قول الشاعر: أقائلن أحضروا الشهودافألحق نون التوكيد اسم الفاعل تشبيهًا له بالفعل المضارع، فهذا إذًا استحسان لا عن قوة علة ولا عن استمرار عادة، ومن الاستحسان قولهم: "صبية، وقنية، وعذي، وبلى سفر، وناقة عليان، ودبة مهيار... فهذا كله استحسان لا عن استحكام علة؛ وذلك أنهم لم يعتدوا الساكن حائلاً بين الكسرة والواو لضعفه.وفي هذا البيان كفاية لمن أراد أن يعرف حقيقة الاستحسان ومعانيه المختلفة والمتشعبة، وقد جمعنا لكم أطراف هذا الموضوع لتكون الصورة مكتملة عن هذا المفهوم المهم في الفكر الإسلامي عموما.
المراجع
makinatalafkar.com
التصانيف
ثقافات اللغة العربية الآداب اللغة العربية