تناقلت وسائل الإعلام رسالة السلفي-الجهادي في تنظيم القاعدة "أبو يحيى الليبي"، المعنونة بـ "تركستان الشرقية: الجرح المنسي"، ويحض فيها مسلمي الصين على "الجهاد"، طبعاً بإشارة إلى المسلمين الاويغور في اقليم شينغيانغ الصيني. يقدر عدد الإيغور في الاقليم بنحو 10 ملايين، و24 مليون نسمة في أنحاء الصين كافة. وبالمناسبة، حتى المتشددين من الإيغور، قلما يصفون أنفسهم بـ "مسلمي الصين" بل يعدون أنفسهم قومية متمايزة عن الصينيين الهان، ومنهم "الهوي"، وهم من المسلمين أيضاً، ويقدر عددهم بنحو 10-20 مليون نسمة.
وقد تواترت المواد المرتبطة بـ "تركستان الشرقية" في المنتديات السلفية-الجهادية، خلال الأشهر الماضية، وشهدت ارتفاعاً مع أحداث الشغب التي شهدها الإقليم في آب (أغسطس) الفائت، وإن كانت معظم التفسيرات تنصب في محاولات التيار السلفي-الجهادي استخدام قضايا الشعوب الإسلامية كأسلوب للتجنيد، وزيادة الشعبية، إلا أن مؤشرات تدلل على تزايد أهمية تلك المنطقة، لدى التيار السلفي-الجهادي. ويقصد بالمنطقة آسيا الوسطى عموماً. وكنا قد كتبنا مقالاً عن رؤية السلفيين-الجهاديين للمنطقة منذ أعوام على صفحات الغد (24 مايو 2005)، نشرح فيها رؤية قياديين في التيار السلفي-الجهادي، هما أيمن الظواهري وأبو مصعب السوري، للمنطقة، ولأهميتها الاستراتجية بنظر التيار.
ومن خلال متابعة الرسائل الصوتية والمرئية والسمعية التي يصدرها أبو يحيى الليبي، يلاحظ أنه، بالإضافة إلى منصبه المعلن من القاعدة كعضو اللجنة الفقهية، فإنه يبدو من المنظرين لقضية تحرك التيار إلى مناطق جديدة، كالصومال، واليمن، وآسيا الوسطى، وغيرها. وقد وصفه جيرات براشمان، مدير مركز مكافحة الإرهاب في كلية وست بوينت العسكرية الأميركية السابق، في مقال له في مجلة الـ "فورين أفيرز" (سبتمبر 2009)، بأنه "أسامة بن لادن التالي"، مشيراً إلى صفات لديه لا يمتلكها بعض قيادات الجيل القديم من قيادات القاعدة، من قبيل التعامل بالتكنولوجيا، والكاريزما الشخصية، والتاريخ "المثير"، بحكم أنه كان ممن هربوا من قاعدة باغرام الأميركية عام 2005، وغير ذلك. وبغض النظر عن مدى الاتفاق أو الاختلاف مع هذا التحليل، فإن الليبي (اسمه الأصلي حسن محمد قائد)، يعد من المنظرين الأساسيين لتحركات السلفيين-الجهاديين حالياً.
أما تزايد الاهتمام بالمنطقة، حالياً، فمرده إلى أن الحملات العسكرية التي تشنها القوات الباكستانية على معاقل السلفيين-الجهاديين في وادي سوات وفي منطقة القبائل، باتت تشكل ضغطاً على السلفيين-الجهاديين، وحلفائهم المحليين. وقد كشفت صحيفة "الجارديان" البريطانية (8 أكتوبر 2009)، عن نية الجيش الباكستاني لشن هجوم "عنيف" على حركة طالبان باكستان في وزيرستان، يشكل تحولاً نوعياً في سير المعارك هناك. وبحكم هذا الضغط فإن منطقة آسيا الوسطى تعد من المناطق المرشحة لهجرة الجهاديين إليها.
بالإضافة، إلى أهميتها الاستراتجية، بنظر التيار، كمنطقة طرفية، وغنية بالموارد، وفيها توترات قومية، فإن وجود عدد من المقاتلين من دول آسيا الوسطى، والذين يعرفون بـ بـ "المجموعة الأوزبيكية"، والذين يتمركزون جنوب وزيرستان متحالفين مع قائد طالبان باكستان الجديد حكيم الله محسود، يلعب دوراً أساسياً في قرار اختيار هذه الوجهة، ضمن مناطق أخرى كالصومال واليمن مثلاً. وقد أشارت التقارير إلى أن بعض هؤلاء بدأوا بالعودة بالفعل إلى بلادهم وخاصة إلى وادي فرغانة القابع بين كل من أوزباكستان، وطاجكستان، وقيرغيزيا، وكان معقلاً دوماً للحركات الإسلامية. وقد صرح رئيس هيئة الأركان الباكستانية أشفق كياني، كما نقلت "الجارديان"، في عددها المذكور أعلاه، أن عددهم يتراوح ما بين 2000-5000 مقاتل. ويعتبر الجيش الباكستاني أن عزل أولئك "الأوزبيك" عن المنطقة أولوية حملتها العسكرية المقبلة. وبالتالي يبدو أن إخراج السلفيين-الجهاديين من معاقلهم في باكستان أفغانستان سيقودهم إلى المناطق المحاذية في آسيا الوسطى الممتد إلى الصين متسببين بتمدد قوس الأزمة في المنطقة، لا كسره.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة مراد بطل الشيشاني جريدة الغد