يعود تاريخ أول قاموس في العالم إلى ما يزيد عن الستة آلاف عام، حين وجدت فيما يعرف بسورية القديمة أو "أبيلا" مكتبة مؤلفات من عدة كتب، ومن بينها لوحة طينية، كسائر المؤلفات الأخرى، تحتوي على ما عد العلماء أول قاموس ثنائي اللغة في العالم والمكتوب برموز مسمارية.
 
وأما في التاريخ الحديث، فإن أول قاموس باللغة الانجليزية قد  أصدره الدكتور "صموئيل جونسون" عام 1755، حيث هدف منه جعل اللغة الإنجليزية أكثر ثباتاً، وتسهيلا لعملية تطويرها. حيث إن وظائف القواميس متعددة ويمكن إجمالها بنقطتين أولهما: الحفاظ على اللغة كإحدى مرتكزات الهوية، وتبعاً فهي وسيلة للحفاظ على الهوية، كما أنها، بذات الوقت، من وسائل تطوير اللغة ذاتها. وثانيها: الإثراء فالقواميس تؤدي دوراً وظيفياً في التلاقح بين الثقافات مما يثري عملية المثاقفة بين اللغات المتعددة.
 
هاتان الوظيفتان تبرز بشكل جلي عند الحديث عن اللغة الشيشانية، باعتبارها تعد من اللغات التاريخية في العالم والمهددة بالانقراض إذا ما استمرت الحرب الروسية في الشيشان، حيث إن تهديد هذه اللغة خلال الحرب ما هو إلا استمرار لسياسات بدأت مع الطروحات السوفيتية بمحاولات فرض الثقافة الروسية على شعوب الاتحاد السوفيتي السابق باعتبارهها التعبير الأساسي عن الثقافة السوفيتية، كجزء من سياسة منظمة لطمس معالم الثقافات المغايرة.
 
ومن هنا فإن تأليف قاموس باللغة الشيشانية تعد مسألة ذات أهمية خاصة في ظل الظروف السائدة في جمهورية الشيشان، وفي ظل الطبيعة التاريخية للغة الشيشانية، وقد تعددت المحاولات لتأليف مثل هذا القاموس وبلغات متعددة، إلا أن أهمية القاموس الذي نحن بصدده، هو أنه أردني الإنجاز، حيث صدر عام 2004 بعنوان قاموس شيشاني-عربي في عمان.
 
هناك، وكما ذكرنا عدة محاولات، لإصدار قاموس شيشاني- انجليزي، أو عربي، ويذكر في هذا السياق، قاموس "محمد جيلاييف"، و"نيكولاس أود" وهو قاموس شيشاني-انجليزي، صدر في لندن، إلا أنه بحجم صغير، وأقرب إلى الكتاب السياحي وكتب تعليم اللغة المبسطة منه إلى القاموس الرصين. عدا عن أنه يحتوي العديد من المفردات الروسية التي دخلت اللغة الشيشانية في الحكم الروسي.
 
أما القاموس الشيشاني-الانجليزي الأكثر أهمية فهو قاموس أستاذة علم اللغات في جامعة بيركلي-كاليفورنيا: "جوانا نيكولس"، والذي نشرته عام 2003 بالاشتراك مع عالم اللغات الشيشاني "عربي فاغابوف". ونيكولس هي من الباحثات المهتمة باللغة الشيشانية منذ أعوام وتدعو إلى الحفاظ على هذه اللغة التي ترى أن أصولها تعود إلى 6000 الاف سنة.
 
أما عربياً، فقد صدر في موسكو عام 1984، قاموس شيشاني-عربي، من إعداد: "عبد الله كيروف"، والذي أحتوى على 12.000 مفردة فقط، والعديد من الكلمات الروسية التي أضيفت باعتبارها مفردات شيشانية.
 
أما نحن بصدده فهو أضخم قاموس شيشاني-عربي، من تأليف الباحث الأردني "احمد باتي" والذي حوى ما يقارب الـ 30.000 مفردة، وصدر عام 2004، وهو أوسع حتى مما جمعته "جوانا نيكلوس"، التي تعمل من خلال جامعة ومؤسسة بحثية عريقة مثل بيركلي. أما القاموس الشيشاني-العربي فهو جاء نتيجة عمل المؤلف ومساعدة من أفراد لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة.
 
وقد صمم القاموس على غرار قاموس المورد المشهور، بحيث يحتوي إضافة إلى المفردات، ملاحق خاصة بالأمثلة، والشخصيات التاريخية، عدا عن احتوائه للعديد من المفردات القديمة والتي تعد من المفردات النادرة الاستخدام.
 
ورغم، فرادة الانجاز، والجهد المبذول عليه، إلا أن اشكالية هذا القاموس تكمن بعدم وجود مؤسسة داعمة خلفه وهو جهد يتطلب دعما مؤسسيا لا أفرادا، ولعل وزارة الثقافة الأردنية تتبنى المشروع وذلك باعتباره مشروعاً علمياً وإنسانياً بحيث يساهم في الحفاظ على واحدة من أقدم لغات العالم، وهي المهددة بالانقراض من جراء الحرب الروسية في الشيشان، وباعتباره، في الوقت ذاته، إنجازاً أردنياً بامتياز، خاصة وأن اللغة الشيشانية جزء من النسيج المكون لفئات المجتمع الأردني، مما يساهم في إثراء التثاقف بين فئات المجتمع والوطن الواحد.

 

بقلم: مراد بطل الشيشاني.


المراجع

alghad.com

التصانيف

صحافة  مراد بطل الشيشاني   جريدة الغد   الآداب