يتكشف المشهد السياسي العربي، عن تحول "جيلي" جديد، أو حركة اجتماعية جديدة، يعبر عنها شبان غير مسيسين، ومتعلمين، ويؤمنون بقيم الحريات الأساسية وحقوق الإنسان، والأهم أنهم رافضون لتهميشهم في مجتمعاتهم. وعبر استخدام فضاء الانترنت، كوّن هؤلاء الشبان شبكتهم، وأسسوا لحركة التغيير في العالم العربي، كما تجلى فيما يعرف بـ "ثورة الياسمين" في تونس، و"ثورة اللوتس" في مصر، واللتين اسقطتا رئيسي الدولتين زين العبدين بن علي ومحمد حسني مبارك، على التوالي، وأثبتتا قدرة كبيرة لدى هؤلاء "التويتريين" و"الفيسبوكيين" في التنظيم، والحشد والتعبئة، حتى وصفت الثورتان بـ"ثورة الفيسبوك".

 

يُبرز هذا التحول أن الحركات الاحتجاجية الشعبية هي حركات شبابية، بمفهوم السن وتغييرات المجتمع، فالفوارق العمرية بين النخب العربية، في مجملها، والشباب، كبيرة جداً، ومعظم متطلبات الشباب الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، لا تُلبى، وبالتالي نسب الاحباط متزايدة. ولكن يبدو أن النموذجين التونسي والمصري أظهر وعياً لصالح العمل السياسي لدى هؤلاء الشبان أكثر منه للعمل العنيف مثلاً.

 

ويبدو أن هذه العامل العمري تحديداً أكثر تأثيراً في العمل السياسي، منه من تحولات اجتماعية أخرى، يتوقع أن تؤثر في التحول الديمقراطي في العالم العربي. ولعل بروز طبقة رجال الأعمال في العالم العربي، مع سياسات التكيف الهيكلي والخصخصة، بداية التسعينيات، يقدم نموذجاً للمقارنة مع التغيرات العمرية في المجتمعات العربية. فالأول كان تحولاً اقتصادياً، والثاني اجتماعي. العديد من الدراسات، ولعل أشهرها في بداية تسعينات القرن الماضي، كتاب "ديمقراطية من دون ديمقراطيين: سياسات الانفتاح في العالم العربي الاسلامي" (1995)، والذي توقعت الدراسات فيه أن الشروط الاجتماعية-السياسية والاقتصادية في العالم العربي تنضج لتجبر الأنظمة والمجتمعات لاتخاذ المسلك الديمقراطي كسبيل وحيد للاستجابة لتلك الظروف الموضوعية، حتى وإن غاب "الديمقراطيون" ليقودوا هذا التحول.

 

وكان دور رجال الأعمال من الأفكار المحورية التي طرحت في الكتاب، بافتراض أن انخراط هؤلاء في السياسة سيرتبط بتحول في مفهوم التمثيل السياسي، باعتبار أن طبقة رجال الأعمال، كما هو الحال في معظم الديمقراطيات، يدافعون عن مصالحهم الاقتصادية بلعب دور سياسي عبر ممثلين لهم مما يعزز العملية الديمقراطية بالتالي. ولكن النتيجة كانت عكسية تماماً، فعلى الرغم من بعض الايجابيات كتفعيل دور الاقتصاد سياسياً، ودور أكبر لجمعيات رجال الأعمال وغرف التجارة في صنع السياسات العامة، وتزايد أعداد رجال الأعمال في البرلمانات العربية، ولكن كل هذا، في حقيقة الأمر، كان تعزيزاً لـ "الزبائنية"، لأن انخراط هؤلاء في السياسة كان لزيادة اعتمادهم على الحكومات في إصدار الرخص، والتراخيص، والاستثناءات وغيرها من الخدمات، وباعتبار أن السلطات أيضاً انخرطت في النشاطات التجارية –مثال عائلة بن علي- فتكونت شبكة من الفساد عوضاً عن شبكة من المصالح التي تصب في صالح التحول الديمقراطي.

 

وعلى ما سبق، فإن الحركات السياسية في العالم العربي، وبحكم التحولات الديمغرافية-الاجتماعية، سترتبط بالحركات الشبابية، بشكل أو بآخر، وهي تمتلك أدوات لا يمكن للسلطات الوقوف بوجه تمددها وتأثيرها، لارتباطها بالتكنولوجيا، وتطور وسائل الاتصال وغيره، وبالتالي فإن هناك تغيرا أساسيا في قواعد اللعبة السياسة؛ وعلى الأنظمة والمعارضة "التقليدية"، على حد سواء، أن تعي ذلك.

 

بقلم: مراد بطل الشيشاني.


المراجع

alghad.com

التصانيف

صحافة  مراد بطل الشيشاني   جريدة الغد   الآداب