في الندوة المهمة التي عقدتها جمعية الشفافية يوم أمس في مقر غرفة صناعة عمان، حول دور مؤسسات المجتمع المدني في المساهمة في مكافحة الفساد، لم يكن عدد الحضور لافتا بقدر نوعية المشاركين من نواب وأعيان ووزراء سابقين ونقابيين ومثقفين ورجال أعمال، ما يعكس حجم الاهتمام والقلق من هذه الظاهرة التي لم تكن موجودة في مجتمعنا من قبل كما قال أحد المشاركين.
الفسادان، الكبير والصغير، استقطبا معظم الحوارات والمداخلات؛ أيهما أخطر على المجتمع. ومع أن الفساد هو الفعل الأسوأ والأشد ضررا على الوطن، إلا أن الفساد الكبير يمثل سرقة واضحة لأموال الدولة والشعب معا، وهو يطرد الاستثمار ويهدد سمعة البلد ويشوه أخلاقيات الشعب، ولكن الفساد الصغير يهدد بنية المجتمع ويفسخ نسيجه الداخلي، ويقوض أمنه الاجتماعي وينزع ثقة المواطنين بالدولة وأجهزتها. والخطورة هنا أن يتحول هذا النوع من الفساد إلى ثقافة مجتمعية، وسلوك يومي عادي. وعزا أحد الحاضرين سبب فساد الموظفين الصغار إلى أن العدالة لا تطبق في المجتمع، وغياب العدالة يؤدي إلى الشعور بالظلم، وهذا أخطر مدخل يؤدي للانحراف بكل أشكاله. وعلقت إحدى المشاركات بأننا مستعدون للعيش على الكفاف إذا توفرت العدالة المجتمعية، ولكن أطرف تعليقين كانا الأخطر.
إن الموظف الفاسد أخطر على الدولة والمجتمع من خلية إرهابية قادمة من الخارج لزعزعة أمن الوطن واستقراره. وإن انفلونزا الفساد ليس لها مطعوم كبقية الأمراض.
أسئلة كثيرة طرحت في الندوة، لكن السؤال الأهم والأخطر: هل نحن جادون في مكافحة الفساد، وهل هناك قرار سياسي صارم بهذا الشأن؟ وحتى تكون الإجابة شافية، ويطمئن المواطن وتستقر أحوال البلد، لا بد من تحويل بعض القضايا وأصحابها إلى القضاء ليقول رأيه فيها وليكون هو الفيصل، وحتى لا تظل الإشاعات تسري بين الناس كالنار في الهشيم، وحتى يقطع الشك باليقين بأننا جادون فعلا.
عنوان الندوة بالأساس كان دور مؤسسات المجتمع المدني في مكافحة الفساد. وهو العنوان الذي لم يأخذ حقه في الحوار، وأعتقد أننا لم نصل إلى مرحلة الإيمان بدور مؤسساتنا الاجتماعية في المساهمة والمساندة، لأن ثقافتنا بهذا الشأن لم تنضج بعد. 
إن إنشاء هيئة أو تجمع مدني يضم شخصيات مجتمعية ذات ثقافة وتمتلك صفات النزاهة والغيرة على مصلحة الوطن، تكون ذراعا مساندة لهيئة مكافحة الفساد عن طريق تجميع المعلومات الموثوقة وتقديمها للهيئة وتشكيل وسيلة ضغط على المؤسسات الرسمية للإسراع في الكشف عن قضايا الفساد وتسريع الإجراءات لتقديمها للقضاء، سيكون عاملا إيجابيا وسيكون إشراكا للمجتمع في أهم قضاياه.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيف مصطفى صالح.   جريدة الغد