عندما خرج أمين عام حزب الله على وسائل الإعلام مساء الجمعة الماضية قدم مرافعة ودفاعا عن مواقف حزبه من التهم التي تُنسب إليه في عدد من الدول العربية والقائمة على إقامة تنظيمات في تلك الدول، لكن في ثنايا حديثه قدم نصر الله العديد من القواعد والفكر الحركي والسياسي الذي تقوم عليه قرارات الحزب.
ولعل ما يستوقف في ذلك الحديث إشارته الواضحة الى الأسس التي يقدم من خلالها الدعم للقضية الفلسطينية, ولعله كان يشير الى حالة الصمت العسكري الذي مارسه الحزب خلال فترة العدوان على غزة, وعدم قيامه بأي عمل عسكري ضد القوات الصهيونية للتخفيف عن أهل غزة, وبخاصة ان الحزب يمتلك قدرات عسكرية, والأهم انه يمتلك نهجا وفكرا يختلف عما تؤمن به الانظمة العربية في ادارة الصراع العربي الصهيوني, ولعل نصر الله استمع وقرأ بعض النقد الذي خرج من العديد من العواصم العربية لموقف الحزب الذي اقتصر على اعلان موقف سياسي وإعلامي من العدوان دون اي فعل عسكري.
ما نقوله ليس نقاشاً لموقف حزب الله، لكن ما لفت الانتباه أن نصر الله عندما أشار إلى تلك الانتقادات تحدث بوضوح عن محددات لدى الحزب حتى في عمل عسكري مساند للشعب الفلسطيني, وأشار بوضوح إلى أمرين مهمين: الأول ظروف وإمكانات الدولة اللبنانية وعدم اتخاذ اي موقف لا يتناسب مع ظروف الدولة اللبنانية، وهذا الموقف يعني أن مصلحة لبنان هي الأولوية وان حزب الله لن يزج لبنان في عملية عسكرية ورد فعل إسرائيلي حتى لو كان مساندة لشعب غزة وفلسطين، والامر الثاني هو إمكانات الحزب ومصالحه، وكلا الأمرين يبدو أنهما من الدروس الكبيرة التي استخلصها حزب الله من تجربة حرب تموز عام 2006 والعدوان الصهيوني على لبنان.
وهذا الموقف ليس جديدا كله لأن نائب نصر الله تحدث في فترة العدوان على غزة ان حزبه لن يُستدرج الى عمل عسكري مع اسرائيل وأن لديه مصالحه وحساباته, وهذا امر تمارسه كل الدول العربية التي تتعامل مع أية مراحل وفق حساباتها الخاصة ومصالحها اولا, وحتى السلطة الفلسطينية, وحركة فتح, فإنها خلال العدوان مارست ما يتناسب مع ما تعتقد انه مصلحتها وحساباتها, لهذا كانت جبهة الضفة هادئة وحتى ان بعض المسيرات ضد الاحتلال تم منعها من قبل السلطة في رام الله.
ما هو مختلف في حالة حزب الله انه حزب يقوم وجوده على مقاومة إسرائيل, ومكانته العربية الشعبية هي من هذا الباب, لكنه عندما يتبنى هذه المعادلات ويعلن انه يعمل بما يتناسب مع امكانات وظروف وطنه عندما يكون الامر متعلقا بأي طرف عربي فهو يعلن ان المصلحة اللبنانية اولا ومصلحة الحزب وحساباته اولا ايضا, وعليه فهو يقدم العون لأي شقيق يواجه الاحتلال وفق هذه المعادلات, وهذا جسده في فترة العدوان على غزة.
ما أقوله ليس رفضا او نقدا او ترويجا لهذا الفكر السياسي والمعادلة المهمة، لكنني أود أن اشير إلى أنها هي المعادلة التي لم تعد تمارسها الانظمة العربية بل أيضا قوى المقاومة والممانعة، وربما ما يسجل لقائد حزب الله هو الوضوح, لهذا فهو يعلن أنه يناصر الآخر من أمته وفق ظروف الدولة اللبنانية وما تحتمله مصالحها, ولن يخوض ولم يخض حربا حتى مناصرة لحماس لأن مصالح الدولة اللبنانية ومصالح الحزب وحساباته تمنع هذا، ولعلنا بعد حوالي ثلاث سنوات على حرب تموز نلمس بوضوح أثراً فكرياً لتلك الحرب استخلصه الحزب من تلك المرحلة وحوّله إلى فعل عملي من دون ان يلتفت للنقد الذي لحق به من البعض خلال العدوان على غزة.
حزب الله يعلن ان لبنان اولاً، وهذا يعني أنه بعد تموز لن يجعل لبنان يدخل اي مجال لا تحتمله إمكاناته, ويعلن ايضا ان حزبه اولا أي لن يخوض الحزب معارك الآخرين إلا إذا كانت معاركه ووفق إمكاناته وحساباته تماماً مثلما تمارس كل الدول حساباتها بأن مصالحها أولا وتقدم من الدعم للآخرين ما لا يتعارض مع مصالحها وحساباتها.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد صحافة سميح المعايطة