حوادث القتل والوفيات التي تبدو وكأنها جاءت نتيجة مذبحة هي أحد أفخاخ الموت المجاني الذي اخذ يعاني منها مجتمعنا الاردني. فأنت وحينما تقرأ الخبر في الصحيفة عن مشاجرات عائلية أدت الى قتل الاب على يد الابناء ، أو عن مشاجرة جماعية أدت الى وفاة شاب ، أو حينما تقرأ عن وفاة "17" مواطناً جراء حوادث السيارات خلال عطلة العيد ، فعليك أن تضع يدك على منطقة القلب رعباً من هذه الظاهرة التي أخذت بالتفشي في مجتمع اتسم تاريخياً بالتسامح وسعة الصدر.
فعلى صعيد تفشي ظاهرة المشاجرات التي تؤدي الى القتل المجاني ، صار من الواجب علينا أن نبحث عن سر هذه النزعة التشاجرية بين الناس ، والتي تحدث على الاغلب لأتفه الاسباب. وهذه النزعة التشاجرية بدأت تكشف عن السايكولوجيا العدوانية ، والاستعداد للتشاجر التي صارت تحكم في الاساس علاقات الناس ببعضهم ، فالحوار الهادىء والبسيط بين الجار وجاره سرعان ما يتحول الى مشاجرة ومعركة حامية الوطيس ، والحوار بين راكب الحافلة مع السائق والكنترول سرعان ما يتحول الى مشاجرة جماعية قد تؤدي الى القتل.
والحال ان العصبية الكامنة في الاعماق الجمعية هي الأحق في الظهور والاعلان في أي حالة تصادم حواري ، ذلك اننا وبشكل عام بتنا نقيم في منطقة الشجار والاعتراك ، وودعنا فكرة تحاشي الشر واعتماد التسامح.
ان هذا النزق الجماعي الذي بتنا نعاني منه جميعاً صار ينعكس ايضاً على قيادة المركبات في الشوارع ، فالسائق الذي تجلس بجانبه في التكسي العمومي ، هو - على الأغلب - عبارة عن مشاجرة ساكنة على المقعد ، وأنت تدرك ذلك من خلال اليد المرتجفة التي تقبض على المقود ، وتتأكد من ذلك حين تسمعه وهو يطلق الشتائم الطائرة في الهواء ، على هذا الذي تجاوز سيارته. أو على تلك المرأة التي استطاعت ان تقود سيارة مع اول راتب لها. وحينما تقرأ عن الحوادث التي تؤدي الى القتل المجاني والمتعمد تتذكر ذلك السائق.
لقد صار من الواجب علينا ان نخضع للعلاج الجماعي من هذا النزق المجاني الذي أخذ يلازمنا في كل الامكنة والشوارع والاسواق. وأخذ يفرخ لنا كل هذا القتل الاحمق.
ان فعل تعلم المدنية ، هو فعل ليس من السهل تحقيقه لانه يعتمد أساساً على سعة الصدر في التحاور ، وعلى سماع الرأي والرأي الآخر دون الوقوع في أفخاخ القتل المجاني.
هذا القتل الذي بات يهدد منجزاتنا الحضارية ويزعزع خطواتنا الذاهبة نحو المستقبل ، ومحاولة اقتيادنا الى عصبية ماضوية كنّا اعتقدنا اننا ودعناها منذ أمد بعيد.
لكننا وبكل الأسف نقول اننا مازلنا نقيم فيها.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خليل قنديل جريدة الدستور