بعد أكثر من عام ونصف العام على اندلاع الثورة السورية، وتحوّلها الكامل إلى معارضة مسلحة، بات واضحاً أن أياً من طرفي النزاع عجز عن حسم الصراع المسلح لصالحه. فبالرغم من القوة العسكرية والأمنية الضخمة للنظام السوري، إلا أنه لم يستطع، حتى الآن، حسم المعركة لصالحه. وكذلك الحال، بالنسبة للمعارضة؛ فبالرغم من تنامي أعدادها، سواء كانت من المنشقين عن الجيش السوري أو من المواطنين أو من العناصر المتشددة غير السورية التي تخوض حرباً جهادية ضد النظام السوري، وبالرغم من تحقيق بعض النجاحات العسكرية، إلا أنها أيضاً لم تستطع تحقيق نجاحات استراتيجية تكون مؤشراً لبداية انهيار النظام السوري. والنتيجة أن الصراع بدأ يراوح مكانه، مع مزيد من القتل والتشريد والتهجير لمئات الآلاف من السوريين.
إذن، على المستوى السوري، فإن الأطراف الداخلية غير قادرة على تغيير المعادلة حتى الآن، ولا توجد مؤشرات على أنها قريبة من ذلك.
أما على المستوى الإقليمي والدولي (وهو الأكثر أهمية)، فالكل بات يعرف أن الديمقراطية هي آخر هموم الدول المعنية، وما يحدد سياستها في سورية هو المصالح الاستراتيجية لتلك الدول المتمثلة في كسر حلقة التحالف الاستراتيجي السوري-الإيراني، والمصالح الإسرائيلية بالنسبة للدول الغربية، وبخاصة الولايات المتحدة. وبالنسبة لروسيا والصين، فإن مصالحهما الاستراتيجية تتمثل في الوجود السياسي والعسكري في سورية، والمصالح الاقتصادية المرتبطة بالنفط والغاز وغيرهما.
إن المعسكر العربي الغربي قدّم دعماً محدوداً للمعارضة السورية، وبخاصة المسلحة، والهدف هو إضعاف النظام السوري إلى أقصى درجة، مع عدم تقديم الدعم الكافي للإطاحة بالنظام السوري، لأن سيناريو اليوم التالي ليس جاهزاً، وقد ينطوي على مخاطر كبيرة عسكرياً وسياسياً. كذلك، فإن روسيا والصين وإيران قد قدّمت الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي لمنع هزيمة النظام السوري.
إذن، من الناحية الموضوعية، تبدو الظروف أكثر نضجاً للمضي قُدماً باتجاه الحل السياسي للأزمة السورية. وقد جاءت الإشارة الأقوى على استعداد النظام السوري لحل سياسي من خلال تصريحات نائب رئيس الوزراء السوري من موسكو، والتي ترك من خلالها كل الاحتمالات بما يتعلق بمصير بشار الأسد. كذلك، فإن تعيين الأخضر الإبراهيمي خليفة لكوفي عنان قد يعطي دفعة جديدة للحل السلمي، لما يتمتع به الرجل من خبرة ودراية عالميتين، بالإضافة إلى تجاربه السابقة مع سورية، وبخاصة في هندسة اتفاقية الطائف بمشاركة وضمانة سورية-سعودية. بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك مؤشرات على أن المعارضة السياسية داخل سورية بدأت بالتحرك من أجل بلورة رؤية موحدة، تنضوي تحتها هيئات التنسيق المختلفة التي اختفت تقريباً مع ارتفاع وتيرة الصراع المسلح بين السلطة والمعارضة.
خلاصة القول، من الناحية الموضوعية، لا يوجد خيار الآن سوى الحل السلمي للأزمة السورية، والذي لا بد أن يكون من خلال مرحلة انتقالية تمهّد لتحول سورية نحو الديمقراطية، وفي الوقت نفسه يحافظ على وحدة سورية ويجنبها حرباً أهلية ستكون مُدمرة لو حدثت. إن السيناريو الأرجح في المسار السلمي لحل الأزمة هو النموذج اليمني بنسخته السورية، والذي من خلاله تكون كافة الأطراف المحلية والإقليمية والدولية قد حققت بعضاً من أهدافها الاستراتيجية التي ستساهم في إعادة رسم خريطة التحالفات الداخلية والإقليمية على حد سواء.
ولكن نجاح السيناريو اليمني ليس مضموناً، بسبب تداخل وتعقيد ملفات ومصالح الدول الإقليمية والدولية الفاعلة. وعلى جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، أن تأخذا زمام المبادرة لإخراج سورية من محنتها، وتجنيب المنطقة حربا إقليمية مدمرة في حال فشل الحل السلمي للأزمة في سورية.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيفدد. موسى شتيوي. جريدة الغد