أضحت قيادة السيارة في شوارع عمان ومناطق أخرى لقضاء الحاجيات، أو الذهاب والعودة من العمل، مغامرة يومية تتوج فرحتها بالعودة إلى البيت بسلام.
بداية، إنّ الاكتظاظ الذي تشهده شوارع العاصمة مرده الأساسي ضعف المواصلات العامة، والتي تعتبر الوسيلة الرئيسة لتنقل المواطنين من أماكن سكنهم للذهاب إلى العمل أو التنزه أو التبضع في الدول المتقدمة. أما بالنسبة لنا، فلا تتوافر وسائل للنقل العام ميسرة وسهلة، وبأوقات منتظمة في أغلب الحالات، ما يجعل الخيارات المتاحة أمام المواطنين للتنقل محدودة، ومقتصرة إما على استخدام سيارة خاصة، أو اللجوء إلى التاكسي للتنقل. وهذا هو أحد العوامل الرئيسة التي تؤدي إلى تزايد أعداد المركبات في الأردن، وتفاقم أزمة السير الخانقة التي نعاني منها، وخاصة في فصل الصيف.
كذلك، لا يقل أهمية عن السبب أعلاه سوء التنظيم العمراني، وبخاصة الترخيص التجاري في الشوارع الرئيسة بالعاصمة، والتي من المفترض أن تكون "أوتوسترادات" فأصبحت مكتظة بالمحال التجارية وبدون مواقف للسيارات. وهذا يحوّل الشوارع الرئيسة إلى مصفات للسيارات، ويؤدي أحياناً إلى شبه إغلاق للشوارع، وبخاصة في ساعة الذروة يومياً، ولاسيما إذا كان هذا المحل التجاري مخبزاً. إن التخطيط والتنظيم الحضريين يفصل عادة بين السكني والتجاري، ولا يسمح بأي شكل من أشكال الأنشطة التجارية على الشوارع الرئيسة التي تستخدم فقط لمرور السيارات والمركبات.
بالإضافة إلى ذلك كله، قد يكون أكثر أهمية هو السلوكيات الاجتماعية التي تمارسها نسبة كبيرة من سائقي المركبات العامة والخاصة، على تفاوت أعمارهم وطبقتهم الاجتماعية وجنسياتهم؛ هذه السلوكيات التي لا تلتزم بالقوانين والتعليمات المنظمة لعملية السير، ولا تحترم سائقي المركبات الأخرى وحقوقهم وإنسانيتهم.
تتراوح هذه السلوكيات بين الوقوف بطريقة مخالفة، والسرعة الجنونية، واستخدام الزامور، والاشتباك اللفظي، وأحياناً الجسدي مع السائقين الآخرين، إذا احتجوا على بعض السلوكيات غير القانونية. إن السلوكيات الطاغية في شوارعنا تنم عن فقر أخلاقي وقيمي، وقد أصبحت مخالفة السير في الأردن هي الأساس، فيما الانضباط بتلك القواعد هو الانحراف أو الشذوذ!
من المثير للألم والدهشة في الوقت نفسه، أن عدم الانضباط بقواعد السير أصبح شكلاً من أشكال المكانة الاجتماعية؛ أي أن هناك قيمة اجتماعية لعدم الالتزام بالقانون، والأصل أن يكون العكس هو الصحيح؛ أي أن القيمة الإيجابية تعطى للالتزام بالقانون وقواعد الاحترام المعروفة.
فاحتلال الأرصفة من جانب الباعة وأصحاب البسطات، وإغلاق الشوارع الرئيسة من كل الاتجاهات، باد للعيان في ظل غياب الرقابة والانضباط، ما يشير إلى حالة فوضى وعدم تنظيم، ويستدعي تدخل الجهات المختصة لضبط الأمور. ومن مظاهر هذه السلوكيات أيضاً مواكب الأعراس وأفراح التخرج التي تثير فوضى وازعاجا، وتتسبب في أحيان كثيرة في حوادث مفجعة. فهل تضافرت جهود الجميع؛ أفرادا ومؤسسات، لضبط هذه السلوكيات ونشر وعي ثقافي بقواعد المرور والسلامة العامة؟
وبالرغم من كل الجهود التي تبذلها إدارة السير في مديرية الأمن العام لضبط هذه المظاهر المخلة بالقانون والآداب، إلا أن ذلك لم يعد كافيا، لأنه في أغلب الأحيان لا يتم التركيز على هذا النوع من المخالفات التي تحدث أثناء سير المركبات، وبدلا من ذلك يتم التركيز على بعض المخالفات كالسرعة، واستخدام الهاتف أثناء القيادة، وغيرها من المخالفات.
إن الأساليب السابقة لم تعد كافية لحل هذه المشكلة المستعصية، وقد أصبحنا بحاجة إلى أسلوب خلاق واستراتيجية جديدة للتعامل معها.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيفدد. موسى شتيوي. جريدة الغد