حينما أخرج من بيتي صباحاً كمشاء نجيب ، أمارس مع نفسي غواية اكتشاف أمكنة عمان ، وجبالها وحواريها وشوارعها وأزقتها ، وما من أحد يعلم مدى المسرّة التي أحس به وأنا أوقظ الامكنة بحضوري المباغت ، وخطواتي الكسولة التي تتسلح بالتأمل.

ولأني احب هذه السرنمة اللذيذة في المشي ، فأنا أترك لنفسي حرية اختيار الطريق التي أذهب فيها ، وهذا يمنحني طفولة مدهشة في التعامل مع المحال التجارية والباعة والارصفة والمشاة وصهيل السيارات حولي وتلك المعدنية الجارحة التي تسكن شارات المرور.

وبالامس اتجهت على غير هدى الى جبل الحسين ، وحينما صرت على مقربة من دوار فراس قررت الانحراف يميناً ، ولأني أحب الطرق المنحدرة فقد تركت نفسي اهبط الشارع الممتد من دوار فراس ، وكانت البيوت وكلما اوغلت في الطريق المنحدر تفقد بهجتها الحجرية وشرفاتها الانيقة ، لتبدأ طريقي تذهب باتجاه بيوت تبدو فكاهية في تأليف حجراتها ، وتلك المساحة المصطبة التي تحتل مقدمة البيت.

وبعد خطوات متسارعة وانا اهبط درجاً ساذج الحواف ، وجدت نفسي امشي في زقاق مخيم الحسين. كانت البيوت على الجانبين تبدو وكأنها صممت قهراً واغتصاباً من ضيق المساحة المتاحة للبناء ، وكانت جدران البيوت وعلى طول الزقاق متلاصقة ودون اي ارتداد ، بينما النوافذ ذات المساحات الضيقة تبدو وكأنها أخذت عنوة من الجدار المُطل على الزقاق.

ولأن ابن المخيم هو على الأغلب مصاب بداء الشجر والخضرة التي اقتلعها منه العدو الصهيوني ، فان ما من بيت الا وتزين مدخله دالية عنب أو شجرة زيتون أو ياسمينة.

بالامس كنت في مخيم الحسين ورأيت ربات بيوت لبونات ، وحبال غسيل تدلل على شخوص البيت وتنوع اعمارهم وملابس ساذجة.

وحينما صرت في الشارع الرئيس الذي يتوسط المخيم ، رأيت المحال التجارية التي تختصر جميع انواع التسوق اليومي ، ورأيت بعض الاطفال الحفاة الذين لم تتجاوز اعمارهم الخمس سنوات ، ورأيتهم وهم يلعبون بطابة الشرايط ويتصارخون فرحاً.

وحينما اخذني ازدحام السوق في المخيم ، ورأيت الناس يتحركون برغبة تحقيق الحياة وانجازها ، تطلعت حولي بنظرة دائرية ، وأنا اتساءل عن اسرائيل هذه التي استطاعت أن تتخلص من "الجيتو" اليهودي وتعيد انتاج "الغيتو" الفلسطيني.

وكان عليّ أن اهرب من فضيحة الاجابة. وأخرج الى الشارع العام.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خليل قنديل   جريدة الدستور