في مشواري الفجري أمس قررت أن أنعم بمراقبة الاشجار على جانبي الشوارع الأنيقة في "الشميساني" ، وقد هالني انني بالكاد احاول أن أتعرف نوعية الاشجار التي تنتصب على اكتاف هذه الشوارع طوال العام دون ان تتأثر بتقلبات الطقس ، باقية على تلك الخضرة الضاربة الى السواد التي تميز أوراقها الصغيرة.
وفي احدى الشواراع الممتدة لفت انتباهي بعض النباتات التي تزين حدائق البيوت وجدران اسوارها ، ولقد شعرت ببعض الحزن على تلك النباتات الفائرة في نموها ، وهي تُذعن لمقص المزارع العابرأو لمقص مهندسي الحدائق البيتية ، بهدف خلق اشكال حلزونية من نمو هذه النباتات ، فاحيانا ترى نباتات ذات شكل لولبي ، وأخرى ذات اشكال مربعة تشبه الصناديق الخضراء.
وبعض حدائق بيوت الشميساني احتوت على أشجار تين قزمة مهجنة لكنها كثيرة الثمار ، وبعض الحدائق احتوت على اشجار كلمنتينا واشجار برتقال.
لكن ما أفسد صباحي الشجري هذا هو رؤية ثلاث اشجار زيتون شذبت جميع أورقها ، وتم قصها ولم يبق منها سوى كتلة من الاوراق الصغيرة ، التي بدت مشوهة جداً وهي تنبت من ذاك الساق العجوز والمتغضن. وبدت الشجيرات مثل امرأة عجوز تم تعريتها من ثيابها ، وأبقت على بعض من شعر رأسها مفلوتاً هكذا ببشاعة مشهدية عجيبة.
وفي لحظة استهجاني من هذا التطاول الانساني البشع على شجرة مباركة مثل شجرة الزيتون ، التي تم الاحتيال عليها بهذا التدنيس المتعمد ، لفت انتباهي امرأة وثلاث صبايا ملتفات بملابس فقيرة ساذجة كنّ يحملن عصيا طويلة وهنّ يقطفن حبات الزيتون عن بعض شجر الزيتون الخارج من سور احدى البيوت المكتظة حديقته بأشجار الزيتون.
السيدة وبناتها كنّ يحملن خريطة قماشية يضعن فيها حبات الزيتون المتساقطة بفرح يدلل انهن على وشك أن يجمعن المال الذي سيوفر لعائلة كاملة ثمن الخبز وطعام العائلة ، وكان من الواضح ان هذا الفرح الذي يعلو وجوههن مع قطف كل حبة ليس له علاقة بتناول الزيتون كطعام ، بقدر ما له علاقة ببيعه.
لحظات وسمعت قرقعة مفتاح في مزلاج الباب المعدني الكبير للبيت ، تبعته حمحمة رجل ، يبدو انه صاحب البيت ، وهنا رأيت السيدة وبناتها الثلاث يركضن هاربات.
مرت لحظات وانا أفكر بكآبة صباحي الشجري هذا.
ومع ذلك لم أنس حينما عدت الى بيتي أن ألقي بتحية الصباح على جميع نباتاتنا المنزلية التي تبدو وكأنها غابة مدجنة ، وكأني سمعت صوت هسيس خضار اوراقها المسدلة وهي ترد عليّ تحية الصباح وهي فرحة باعتقالها البيتي على هذا النحو.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خليل قنديل جريدة الدستور