ليس من المبالغة القول إن الانتخابات النيابية التي أجريت أمس ستشكل نقطة تحول في مسيرة الإصلاح السياسي في الأردن، ليس فقط لما سيتمخض عنها من استحقاقات سياسية لاحقاً، بل لعملية الانتخابات نفسها. إذ لعل من أهم النتائج غير المباشرة للانتخابات هو أثرها على الثقافة السياسية في الأردن، وذلك للأسباب التالية:
أولاً: تشكل هذه الانتخابات قطيعة مع تجارب الانتخابات النيابية السابقة التي شابها الكثير. ويظهر هذا بشكل خاص بسبب إدارة العملية الانتخابية الأخيرة من قبل هيئة انتخابية مستقلة، على رأسها رجل دولة مشهود له بالكفاءة والنزاهة والانتماء الوطني. وقد عملت الهيئة، وعلى مدار ثمانية أشهر متواصلة، لتأسيس نهج جديد في الحياة السياسية الانتخابية في الأردن، يقوم على أن المواطن هو الأساس في العملية السياسية، وأنه لابد من أن يكون خياره هو المخرج الحقيقي للانتخابات النيابية.
ثانياً: أكدت الدولة، وعلى أعلى المستويات، أنه لن يكون هناك تدخل في عملية الانتخابات من قبل الأجهزة التنفيذية للدولة، وصدرت أوامر صارمة لكل مؤسسات القطاع العام تحذّر العاملين فيها من التدخل، وبأي شكل، في مجريات العملية الانتخابية. وقد أظهرت الدولة جديتها من خلال الإجراءات القانونية التي اتخذتها بحق المخالفين لقانون الانتخاب، وخاصة الذين استخدموا أو حاولوا استخدام المال للتأثير على إرادة الناخبين. وقد لا يكون هذا الإجراء عالج المسألة جذرياً، ولكنه أدى الى تعزيز ثقة المواطن في مؤسساته الوطنية، وفي جدية الدولة في عملية الإصلاح السياسي وليس فقط في إجراء انتخابات نيابية نزيهة.
ثالثاً: الدور المهم والكبير الذي قامت به مؤسسات المجتمع المدني الأردنية على صعيد مراقبة كافة إجراءات العملية الانتخابية؛ منذ بدء تسجيل الناخبين وحتى إعلان النتائج.
إن مشاركة أكثر من سبعة آلاف متطوع ومتطوعة في مراقبة الانتخابات هو شيء مهم جداً، ولم يحصل من قبل. وهذا يدل على وعي مؤسسات المجتمع المدني بدورها في عملية التحول والإصلاح السياسي. أضف إلى ذلك مشاركة أكثر من أربعة آلاف متطوع ومتطوعة من الشباب الأردني لمساعدة الناخبين في ممارسة حقهم الانتخابي بيسر.
ولا أريد التقليل من شأن المراقبة الدولية والعربية، وحضور الصحافة العالمية في عملية المراقبة على الانتخابات، ولكني أعتقد أن المراقبة الوطنية هي الأهم، كونها نابعة من رحم الشعب الأردني، وقدرتها على تقييم أكثر دقة ومصداقية للعملية الانتخابية.
رابعاً: للمرة الأولى، وبالرغم من صغر عدد المقاعد التي تنافس عليها، هناك قوائم وطنية تخوض الانتخابات على أسس حزبية أو برامجية. وقد أتاح تشكيل القوائم انخراط مرشحين من كافة المناطق والخلفيات الاجتماعية، ليعملوا سوية ضمن رؤية جماعية.
لا أقول إن انتخابات أمس مثالية، ولكنها منتج أردني بامتياز، وتؤسس لبزوغ فجر ثقافة سياسية جديدة في الأردن، يكون قوامها المصلحة العامة والنزاهة والمشاركة الشعبية. وهذا إنجاز لم تستطع تحقيقه بعض الدول التي شهدت ثورات وتغيير أنظمة في نهاية المطاف. فالديمقراطية ترتكز على هذه الأسس والقيم التي يجب تكريسها، لتصبح عملية الانتخابات في المستقبل عملية روتينية.
فكل التحية والتقدير والاعتزاز بالهيئة المستقلة للانتخاب، والأجهزة الحكومية كافة، وخاصة دائرة الأحوال المدنية، والأجهزة الأمنية كافة، والمواطنين الأردنيين كافة.. والذين يعود لهم فضل إنجاح العملية الانتخابية.
 

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيفدد. موسى شتيوي.   جريدة الغد