قبل أكثر من عامين، نزلت جموع الناس إلى الشوارع في أكثر من بلد عربي، يملأ نفوسها الأمل بتغيير الأنظمة المستبدة بأخرى ديمقراطية. وقد أحدثت ثورتا تونس ومصر زلزالاً سياسياً في المنطقة، وفتحتا الباب مشرعاً لتحولات سياسية في أغلب الدول العربية؛ فاكتظت شوارع أغلب البلدان العربية بالشباب والشابات وهم يرفعون شعارات الحرية والكرامة والديمقراطية، وتجسدت روح هذه الثورات في شعار "الشعب يريد...".
لكن بعد أن تهاوت الأنظمة في عدد من الدول العربية تحت ضغط الشارع، نجد أنفسنا أمام جملة من التساؤلات، من أهمها: أين نحن من تحقيق الحرية والكرامة والديمقراطية؟ وهل اقتربنا فعلياً من الديمقراطية، أم ما نزال بعيدين عنها؟ وفي أول ممارسة ديمقراطية، جاءت صناديق الاقتراع بقوى سياسية، ولاسيما قوى الإسلام السياسي، إلى الحكم في تونس ومصر وقطفت ثمار الثورات. وبالطبع، لا أحد يستطيع أو يريد إنكار حق هذه القوى التي تعرضت للاضطهاد عقودا من الزمن في تسلّم الحكم، لكن لا بد من مناقشة تلك التجربة.
من خلال خطاب هذه القوى خلال الثورة؛ بأنها سوف تقود عملية التحول الديمقراطي، تفاءل كثيرون، من جميع المشارب السياسية وحتى التي لا تتفق أيديولوجياً مع هذه القوى، ببزوغ فجر جديد من الحرية، وبأن الولوج إلى عصر الديمقراطية بات أمراً ممكناً. ولكن سرعان ما بدأت الغيوم تنقشع عن الوقائع الحقيقية وراء هذه القوى، وتبين أن الشعارات التي كانت تطرحها، كالدولة المدنية وغيرها، لم تكن سوى تكتيك للوصول إلى السلطة؛ إذ سرعان ما تخلت عن كل هذه الشعارات وعن حلفاء الثورة بعد وصولها إلى السلطة، وكأن الهدف من الثورة كان السلطة وليس تكوين مجتمع جديد.
لقد بات واضحاً أن هذه القوى لا تحتمل مشروعاً ديمقراطياً، وليس لديها تصور متكامل لإدارة المجتمع على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وأن المشروع الوحيد الذي تحمله هو تحويل المجتمع باتجاه معين.
الإشكالية تتجاوز وزر ارتكاب الأخطاء وعدم استخدام التكتيك المناسب، بل هي أكبر من ذلك. فهي بنيوية مرتبطة بالأيديولوجية الدينية التي تحملها تلك الجماعات، والتي ترفض، في جوهرها، الديمقراطية باعتبارها مبادئ وقيماً، وتقبلها بوصفها طريقة وأسلوباً؛ أي إنها تقبل الانتخابات التي هي إحدى وسائل التعبير الديمقراطي، ولكنها ترفض مبدأ الحريات الفردية والعامة، وترفض التعددية السياسية. إن الديمقراطية تقوم على مبدأ الفصل بين الدين والسياسة، وتحفظ حقوق الأقلية السياسية والحريات الفردية والجماعية على حد سواء. وهي لم تعد مُلكَاً للغرب، بل أصبحت مُلكَاً للبشرية كلها، وإن كانت جذورها غربية.
في ظل رفض هذه المبادئ، ومحاولة التفرد بالسلطة وإقصاء القوى المعارضة، تكون قوى الإسلام السياسي قد دخلت في أزمة بنيوية، وأدخلت الدولة في أزمة باتت معها تهدد الوئام والسلم الاجتماعيين. وقد بدأت مجتمعات ما بعد الثورة تظهر مهددة بخطر الانقسام والحروب الأهلية.
لقد راهن بعض الناس على أن قوى الإسلام السياسي سوف تتغير، وتقدم أنموذجاً جديداً من الديمقراطية قائماً على القيم والأسس الأخلاقية الإسلامية. ولكن بدلاً من ذلك أنتجت هذه القوى أنموذجاً جديداً من الاستبداد. فبعد عامين من الثورات، ما نزال بعيدين عن تحقيق أهداف الثورة، لا بل تم إجهاض هذه الأهداف مرحلياً.
مهما تكن النتائج، فإن عجلة التغيير قد انطلقت. وإن لم يتم تحقيق أهداف الثورة الآن، فلن تكون هناك عودة إلى ما كانت عليه تلك المجتمعات سابقاً، وسوف يذكر التاريخ أن هذه مرحلة من مراحل الثورات العربية، وليست الثورات نفسها.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيفدد. موسى شتيوي. جريدة الغد