نحاول أحياناً ونحن نعتلي صهوة أعمارنا ، أو حين نقف على تلك التلّة الموحشة من العمر أن نلتفت الى تلك السنوات التي كان فيها العمر جميلاً ، وهو يغدق علينا تلك البهجة الطافحة بالسعادة ، فنجدها على الأغلب قليلة ، وشبه نادرة أحياناً.

وعلى الأغلب فان السبب في هذا الفقر العمري يعود الى اسلوب تعاملنا مع الحياة اصلاً. وربما هذا مايجعلنا نفتقر اصلاً للابتسام ، ورغبة الاقبال على الحياة ، وتعلم فن الحياة.

انّ التعامل مع الحياة باعتبارها عبئاً هو الذي يوصل الشرايين الى اعلى مستوى في الضغط ، وهو الذي يجعل السكري يرتفع بالدم الى درجة الاغماء والاستجارة بأقرب سيارة اسعاف.

انّ هذه التقطيبة التي ترتسم فوق حواجبنا باعتبارها احدى علامات جدية تعاملنا مع الحياة هي في الأصل رغبة مفتعلة لاشعار بعضنا البعض اننا شعب يطفح بالجدية.

لكن هذه الجدية حين تتورم الى هذا الحد فهي كفيلة لأن تقودنا الى أقرب شجار جماعي عادة ما يتوج برجاءات وصلحات وجاهات عشائرية ، يكون هدفه اصلاح ذات البين.

وهذه الجدية الفائضة هي التي اقتلعت الحياة البسيطة المتدفقة كجدول من أعماقنا ، واقترحت مكانها هذه الحياة التي لا تتسم الا بالحمق.

اننا حين أعطينا رقابنا للحياة الغبية ، فاننا بدأنا نتحول الى شعب شجاري بامتياز ، وصرنا نجاور الضغينة ونترزق في أحاديثنا على النميمة.

اننا بحاجة فعلاً الى التدرب على استلال تلك الحياة الغنية بالهمة والتفاؤل ، علينا تعلم الحب من جديد ، وتعلم العناق من جديد ، وتعلم فن التعامل مع البيوت والامكنة من جديد ، وعلينا أن نتعلم فقه الاستدلال على تلك الحياة التي تمد جذورها في تلك السراديب السرية التي تمتلئ بالسعادة وبفرحة الوجود.

ان الحياة التي جعلت احد أشقياء الفلسفة يشعر بالوحشة من الطعم الآدمي ، ويغادر هذا الاختلاط القسري ، كي يذهب الى الغابة وينادي على النمر "يا أخي" ، هي بالتأكيد حياة موحشة وتحتاج فعلاً الى ما يُشبه فك الارتباط كي نعيد ترتيبها من جديد. ونقوى على احتمالها وعشقها بتلك الطريقة التي تجعلها حياة قابلة للاحتمال وقابلة للفرح أيضاً.

انه وعد الحياة التي خلقنا من أجلها.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خليل قنديل   جريدة الدستور