بالرغم من أن الأردن شهد تشكيل حكومات برلمانية أو شبه برلمانية في السابق، إلا أنّ فكرة تشكيل الحكومة البرلمانية التي طرحها جلالة الملك، باعتبارها خطوة أولية باتجاه ترشيح رئيس للوزراء، هي تجربة جديدة، من ناحية أنه أنيط بمجلس النواب ترشيح الرئيس المقبل.
الفكرة الأساسية في هذه العملية، هي أن يتم تبني اسم مقترح من قبل أغلبية نيابية، تكون توجهاتها قريبة من توجهات الرئيس. ومن ثم، يقوم الرئيس بالتشاور مع هذه الأغلبية في تشكيلة الحكومة، من أجل تحقيق الانسجام بين الحكومة والبرلمان، والاتفاق على سياسات يتم تنفيذها خلال السنوات الأربع المقبلة. والمنطق السياسي يقول إنه مقابل هذه الأغلبية، يجب أن تتشكل أقلية تتولى دور "المعارضة البرلمانية"، ما يسمح بالنهوض بالعمل البرلماني والحكومي في آن واحد.
الأساس في اختيار الرئيس، هو الكتل التي تشكّلت داخل المجلس بعد الانتخابات، والتي في أغلبها غير حزبية. ويمكن أن تتفاوت الكتل في درجة انسجامها الفكري والسياسي؛ إذ إنه من الواضح أن بعض الكتل اجتمعت على أسس عملية وبراغماتية مرتبطة بعوامل شخصية، وقد تكون سياسية، ولكنها لا ترقى إلى مستوى الكتل الحزبية من ناحية الانسجام والانضباط بسياسات أو توجهات محددة.
إن عملية اختيار شخص معين ليكون رئيساً للوزراء كانت الاختبار الحقيقي الأول لمدى تماسك هذه الكتل. وتبين أن العوامل التي تؤثر في اختيار الرئيس متشعبة، وتخضع للمصالح والعلاقات، وليس بالضرورة مدى انسجامها مع توجهات الكتلة وأهدافها.
وفي هذا السياق، فقد أبدت الكتل التي كانت مرتبطة بأحزاب سياسية قبل دخولها مجلس النواب تماسكاً أكثر، وكانت قادرة على أن تحسم أمرها مبكراً، مقارنة مع الكتل التي تشكلت لأسباب براغماتية بعد الانتخابات النيابية.
الاختبار الثاني لهذه الكتل سيكون في اختيار الوزراء الذين سوف يشاركون في تشكيلة الحكومة الجديدة، سواء كانوا من داخل المجلس أو من خارجه، أو من الاثنين معا، من ناحية المعايير التي ستُتبع في اختيار الأشخاص لشغل هذه المواقع. ومن المرجح أن هذه العملية ستكون شاقة، وأصعب من المرحلة الأولى المرتبطة باختيار الرئيس. ومن المرجح  أيضاً أن تشهد تصدعاً أكبر في تلك الكتل خلال هذه المرحلة أو بعد الانتهاء منها.
والسؤال الذي يثار هنا هو حول ما إذا كانت هذه العملية ستقود إلى حكومة بأغلبية نيابية وأقلية نيابية معارضة حتى يتحقق التوازن؟ المؤشرات والمعطيات الحالية لا تدعم هذا الاتجاه، ولكنه يبقى سيناريو ممكناً. أما السيناريو الأكثر احتمالاً، فهو أننا سنشهد إعادة تموضع للكتل النيابية بعد اختيار الرئيس وأعضاء  الحكومة، وأن المعارضة المقبلة لن تكون كلها منظمة.
بالرغم مما أسلفنا عن الصعوبات التي تواجه مجلس النواب في استحقاق اختيار رئيس الوزراء، ولاحقاً أعضاء الحكومة، إلا أنها ستكون تجربة غنية، نستطيع أن نستخلص منها الدروس لضمان نجاح هذه التجربة مستقبلاً؛ ومن بينها ضرورة تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب، ووضع نظام خاص بالكتل بضبط عملية تشكيلها وعضويتها وحقوقها. وأنه لا بد من أن تكون الأحزاب السياسية هي الأساس في تشكيل تلك الكتل. وذلك يعيدنا مرة أخرى إلى ضرورة تغيير قانون الانتخاب الحالي، ليواكب هذه المتطلبات.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيفدد. موسى شتيوي.   جريدة الغد