تتجمع القرائن أحياناً بطريقة ملفتة للنظر حقا ، لتتحول هذه القرائن في مجموعها الى تشكيل ظاهرة ، توقظ التكوينات النائمة اصلاً ، ومن ثم تمظهرها لتتحول الى ظاهرة لها استحقاقاتها على أرض الوقع السياسي والاجتماعي. مثلما لها فواتيرها اللاحقة التي يصعب تعويضها أو تسديدها.

فمع ايقاظ الاستقرار الديني في المنطقة العربية باعتباره مرجعية تعبدية خاصة بالتقوى والورع والتقرب الى الله ، وتحويله الى مناوىء حضاري ، وبالضبط كما أراد في كراسته سيئة الصيت "صراع الحضارات" ، دخل الوطن العربي والدول الاسلامية عموماً فيما يمكن تسميته بحرب المساجد ، تلك الحرب التي توزعت في غير عاصمة عربية واسلامية ونحن نرى الفرد الاسلامي ، وتحت وطأة التكوينات العدمية في تشكيل الوعي الجهادي ، يسمح لنفسه في ان يتزنر بالحزام الناسف ، ليفجر جسده بين جموع المصلين الذين هم بين يدي الله ، لتحدث كارثة الانفجار.

وفي خط مواز لمثل هذه الانحرافات العقائدية ، بدأ الفكر العنصري الصهيوني الذي يتبجح ليل نهار بالديمقراطية والتحضر ، بتفريخ قطعان المستوطنين الخارجين من عتمة المدارس اليهودية الدينية ، ورطوبة معتقداتها الهرمة ، ودفعهم بشكل مسرطن فوق الارض الفلسطينية ، والسماح لهم بالاعتداء على المساجد والمقابر وحرق الكنائس ، واعلان الحرب على كل دين لا يدين باليهودية.

وقد كانت آخر هذه الاعتداءات الصهيونية ، هو قيام بعض المستوطنين بحرق الطابق الارضي لكنيسة في شارع الانبياء بالقدس.

ولكي تكتمل الفكاهة في الحرب المشبوهة على الكنائس قاوم بعض الارهابيين مؤخراً باعتقال رهائن في كنيسة بغدادية ، بحيث يجيء هذا الارهاب الذي بدأ يتعرض له المسيحي العراقي في كنائس مدينة الموصل ، كفعل اقتلاع للمسيحيين العرب من أوطانهم العربية ، وتحويلهم الى صليبيين جدد.

ولعل الاجتماع الكنسي الذي اقيم مؤخراً في الفاتيكيان لمناقشة وضعية المسيحيين العرب عموماً ، لهو اكبر دليل على تفشي ظاهرة حرب الكنائس وجديتها.

والغريب في الفقه السياسي العربي الرسمي ، أنه لم يتعامل مع مثل هذه الظاهرة بجدية حقيقية ، والاغرب ايضاً أن الجامعة العربية لم تتدارك حجم الخطر الذي أخذت تتورم فيه حرب الكنائس في المنطقة ، ولم تستنفر قواها التحاورية والسياسية لايقاف مثل هذا الجرم بحق المسيحيين العرب ، وأمكنة عبادتهم.

ان حرب الكنائس التي بدأت تستيقظ في بعض العواصم العربية وفي الكيان الصهيوني ، هي كارثة تستحق منا وقفة حضارية ، مثل تلك الوقفة الحضارية المُشرفة ، التي وقفها المسيحي المشرقي مع كل التقاطعات المؤلمة التي عاشتها حضارتنا العربية والاسلامية.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خليل قنديل   جريدة الدستور