كثيرة هي الدراسات التي تناولت بالتحليل و بالتأريخ ثورة الريف المجيدة. الا أنها تكاد تكون منعدمة في بعض المجالات خصوصا تلك التي تبدو و كأنها بعيدة عن الحرب و السيطرة و السياسة مثل الأعمال المدنية والدراسات السوسيولوجية أو اعمل الاجتماعي كالطب .
و لهذا نود في هذا الاطار تسليط بعض الأضواء على اعطاء دور هام للاطباء و للسياسة الطبية من تصور عام وتنظيم في السيطرة على المستعمرات. ذلك الدور الذي يندرج ضمن مخطط عام استراتيجي و شامل تمليه الظروف والملابسات و كذلك النظرة المستقبلية والتطلعات الاستراتيجية للمشروع الاستعماري الغربي في القرنين التاسع عشر والعشرين.

مقدمة : الطب و الامبريالية

في القرن التاسع عشر و أوائل القرن العشرين كان عامة الغربيين ينظرون للمستعمرات على أنها أدنى حضارة و تقدما وأن الاستعمار يأتي من أجل مهمة نبيلة وانسانية تتجلى أساسا في نشر الحضارة والتقدم والرفاه العام بل السلام كذلك. و ما انفكت سياسة الامبراطوريات الاستعمارية تعزز هذا الرأي  ساعية  الى تثبيت فكرة دونية شعوب المستعمرات و الى ابراز مخاطر الأمراض و سلبياتها كجزء من بيئة المناطق الحارة التي لم تستطع المجتمعات المتخلفة ترويضها لجهلها ولا علمية طبها.
غير أنه يمكن اقامة الدليل على أن هذا ليس بمشكل جوهري في المستعمرات و بالنسبة للسكان المحليين حيث نجد بالمقابل أن الأوروبيين شكلوا بدورهم صلاتا وبائية جديدة، بتوصيل أمراض كانت موجودة في أوروبا كالحصبة و الجدري أو بارساء روابط بين اجزاء من العالم حيث أصبح  الفيروس يسافر بسرعة القطار و السيارة و الطائرة، زد على ذلك طبيعة الاقتصاد الاستعماري و التغيرات البيئية(تلوث) والاجتماعية(الامراض المهنية الجديدة مثلا) التي يدخلها النمط الجديد للانتاج و كذا أساليب الاستهلاك الجديدة.
و بهذا الصدد كثيرا ما ينتقي المؤرخون والباحثون الأمثلة من الأعمال الكبرى كتوسع قنوات الري و انشاء جسور السكك الحديدية في الهند الشيء الذي أدى الى خلق المأوى للبعوض حامل "الملاريا"(1).  و هنا لا يوجد أحسن من الطب للعب دور المسكن لأوجاع نمط  الانتاج و الاستهلاك و ليس أحسن منه وسيلة لكي يصيب و عي السكان بالحول و يسدل قناعا بين أمراض "الحضارة" و أسبابها حتى تبدو تلك الأمراض و كأنها قضاء و قدر و يبدو الطب كأنه ملاك يحارب الأشرار الطبيعية ولا علاقة له بالنمط المجتمعي.
و فيما يخص نمط الاستهلاك الجديد فيمكننا أن نسوق عدة أمثلة و منها ما ذكره"ما يكل ووربويز"(2) من أن سنوات ما بين الحربين العالميتين قد جلبت بعض الادراك لدى العلماء الغربيين بأن نقص التغذية، هو الذي يقف الآن في سبيل تنمية المستعمرات أكثر من التفسير القائم على الأمراض الوبائية الرئيسية.
و من باب آخر، فان هذا الطرح الاستعماري يرمي  على عاتق العلماء و الأطباء في الدول الامبريالية مهمة مواجهة التحدي البيئي بتحدي غربي يتمثل في انجاز المهمة الحضارية للطب الأوروبي  في افريقيا و آسيا و الأمريكيتين، مما يدفع في حقل الطب و الصيدلة و الباتولوجيا على الكد و الاجتهاد والجري وراء الحوافز. ومن جهة اخرى فان هذا الطرح يقدم تبريرا حضاريا لتدخل السلطات الاستعمارية تحت غطاء المساعدة ضد المرض أو حماية رعاياها أو الأسرى أو ارسال الأطباء كمهووسين بالعمل الانساني و هم في الحقيقة يشكلون طلائع و كشافة الاستعمار تماما كالمخبرين و علماء الاجتماع الملتزمين بالقضية الاستعمارية.
و من شأن هذه الرؤية الحضارية كذلك أن تفضي الى تجنيد المزيد من شعوب الدول الامبريالية من جهة (أطباء ، مبشرين، رجال اعمال، مهاجرون... الخ) و الى بناء ايديولوجي يتكئ على علوم جد عملية ( الطب، الصيدلة الخ..).

  - I  - الطب الامبريالي في المغرب

و قد كان دهاة الامبريالية و الغزو الأوروبي يعون جيدا أهمية الدور الاستراتيجي للطب في انتصار المهمة الامبريالية العامة. و هكذا فان أهم استراتيجيي الطب الامبريالي كان هو "هيوبرت ليوطيH. Lyautey " الذي يستشهد به مختلف غلاة الاستعمار و يروي أقواله عدة باحثين مثل "دافيد أرنورد" الذي أورد في كتابه "الطب الامبريالي و المجتمعات المحلية"ما يلي:
"و كان "ليوطي" أحد الزعماء الذين يؤيدون فكرة أن الطب العسكري أداة للمساعدة في ارساء السلطان الفرنسي في افريقيا، و قد ذهب بعيدا الى حد الزعم بأن "العذر الوحيد للاستعمار هو الطب".(3)
 
و بهذا الصدد، يجب الاشارة الى أن مصلحة الصحة العمومية في المغرب كان يوفرها الجيش الفرنسي. و كان مديرها "مارسيل أوبرلي M. Oberle" عسكريا حتى سنة 1926 التي شكلت سنة انفصال مصلحة الصحة المدنية عن الجيش و خلق مديرية الصحة و النظافة العامة. و قد صادف ذلك نهاية حرب الريف.
"فالطبيب يقول "كولومباني Colombani "، يشكل عنصرا ممتازا للتسرب السلمي و السياسي حيث تقدر مصالح الاستعمالات جيدا اشعاعه و تفانيه"(4). كما أضاف : "اننا مدينون لأطباء الوحدات الصحية المتنقلة بملاحظاتهم الهامة جدا (...) و دراساتهم عن تنظيم الشرطة الصحية للقبائل و عن الوقاية من حمى المستنقعات (...) و عن ظروف العمل و التغذية دون الحديث عن التقارير الملحقة".(5)
و في نفس الاطار، أكد الدكتور"راينود Raynaud " بأن "جنودنا لم يصطدموا فقط مع كراهية السكان و لكن كذلك مع عداوة الطبيعة".
و الحديث عن الوجه العسكري للأداة الطبية يردنا الى "ليوطي" الذي يعتبر من أكبر استراتيجي و منظري السيطرة الاستعمارية الفرنسية و هو صاحب مقولة "أظهر القوة حتى لا تستعملها" و بذلك يعد خير خلف ل"نابليون"  الذي ردد أنه يمكن فعل أي شيء بالحربة سوى الجلوس عليها. و سنرى ترديد فكرة العزول عن المقاومة نظرا لقوة فرنسا و كيف كان يرددها أطباء البعثة الصحية الريفية في أوساط السكان و قياديي حرب التحرير الريفية.
و كان "مارسيل أوبرلي " يوضح للأطباء دورهم و يحيلهم على "كالياني  Galieni " و "ليوطي"   قائلا(5):"أن أهمية الدور ليس فقط العسكري بل كذلك السياسي و الاجتماعي و حتى الاقتصادي الذي يلعبه الطبيب في الانتشار الاستعماري معروف لدى الجميع، و منذ التصريحات الساطعة ل"كاليني" و ل"ليوطي" اللذين لم ينثنيا قط عن تقديم الاحترام و تثبيت روح نكران الذات و النزاهة و الترفع لأطباء المستعمرات الذين أصبحوا في أكثر الأحوال العملاء الأكثر دينامية و فعالية لتثبيت السيطرة الأوروبية. و قد تساءل "ليوطي" موضحا(6) : "ليست هناك من مقاطعات ذات ساكنة متمردة و مقاومة لتغلغلنا،لم يكن لنا فيها أجود من الطبيب كرئيس اداري، فالطبيب يمكنه أن يعوض بامتياز كلا من الموظفين المدنيين و جنود الاحتلال". كما شهد "ليوطي" بقوة و فعالية الأطباء في تثبيت السيطرة الامبريالية على "مدغشقر" ثم في "افريقيا". و أقر بأنه "في المكاتب القنصلية الحدودية بشمال "طونكان  Tonkin  " ، كان الأطباء وحدهم، و بدون قوة عسكرية، قد أدخلوا السيطرة الفرنسية و تمكنوا من فرض تقبلها في "مدغشقر". و في "افريقيا" وفي "المغرب" نجد دائما أن الطبيب هو رائد الحضارة و الذي ندفعه في غالب الأحيان  في الطليعة، بمدة طويلة قبل الجنود، لغزو عقلية السكان العاصين و الغير خاضعين".
و في رسالة من "ليوطي" ل "كالييني" صرح (7) : " أرسلوا لي أربعة أطباء، أرجع لكم أربعة فيالق".
وقبل فرض الحماية على المغرب كانت الالة الطبية تشتغل في الاطار المرسوم لها بدقة نسوق في ما يلي ثلاثة امثلة دالة:
 1- ابان احتلال جبل بني يزناسن في دجنبر 1907 لم ينفك الممرضون التابعون للطوابير العسكرية عن اعطاء فحوص في " الكصور"(القصور: مجموعات سكنية جماعية) وعن التلقيح الجنيري(في الذراع) وجلب المرضى الى المستوصفات الاهلية البسيطة التي يتم انشاؤها داخل الثكنات العسكرية. فلشفائهم الذي يبهر وسطهم اثر ايجابي هام.(8)
2- كانت سنة 1909 سنة للتنظيم. فحول  برشيد، وسط الشاوية، أنشا الجيش الفرنسي عدة مراكزحيث كانت "مهمة المساعدة الطبية للاهالي تتابع بموازاة مع العمل السياسي، وقد فتحت مستوصفات اهلية في مراكز استقطاب وتجنيد الكوم المزدوج المغربي".(9)
3- طوال عمليات تامين الخط الرابط بين القنيطرة وفاس عبر زكوطة، كان على القوات الفرنسية أن تنشيء عدة ممرضيات أهلية ولو بدائية و أن تجري عدة فحوص طبية للسكان غير أن " مصلحة الاستعلامات لم تكن تتوفر الا على اعتمادات مالية ضعيفة للمساعدة الطبية مأخوذة من اموال العمل السياسي في حين أنه يجب انشاء كل شيء في القنيطرة... وبيتي جان..." (10)
و لم تكن هذه الأمور بخافية على شعوب المستعمرات و لا على المغاربة، فقد كانت أشياء ملموسة، ومعروفة يتم فرض شروطها في المفاوضات و المعاهدات الدولية تحت الضغط أو على أرض الواقع.
يقول "بول جيمس" عن المغرب(11) : " لقد كان هنالك 20 مبشرا فرنسيا في آخر سنة 1905 و حوالي 30 بالنسبة للدول الثلاثة الأخرى. و في سنة 1906 فان عقد الجزيرة الخضراء سمح لعلماء الحكومات الأوروبية بالولوج الى داخل المغرب. و في 1906 فقد تنامى بشدة عدد المبعوثين الطبيين.
وأكثرهم شهرة هو الدكتور "اميل موشو E. Mauchamp " الذي كان مبعوثا للخارجية الفرنسية و الذي وصل الى عمله بمراكش في أكتوبر 1905. و سكن باقامة قديمة للدكتور "لينارس Linares " .و بعد ذلك بقليل، تسلل الى حاشية مولاي حفيظ و نال ثقة أفراد أسرة "الكلاوي" واعيان محليين آخرين" فلم يكن من الصدفة اذن أن يتم اغتياله في مراكش في مارس 1906 و تستغل فرنسا الحادث لتعطي الاشارة لاحتلال المغرب الشرقي معلنة بذلك انطلاق غزوها للبلد كله.
و خلاصة القول فيما يتعلق بالمشروع الاستعماري هو أن المدخل الى كل ما سلف ذكره يتجلى في ضمان غزو امبريالي فعال و في أحسن  الظروف، من تكلفة حالية و آفاق مستقبلية. و هنا تجدر الاشارة الى اعادة التأكيد على عاملين أساسيين. تزايد الادراك بصحة الجنود و المدنيين الأوروبيين، حيث أن الخسائر الناتجة عن المرض و صعوبة التأقلم لا يمكن معالجتها بحصر الاجراءات الصحية و الطبية في الجالية الغربية و عند الجنود، بل يتطلب ذلك حفظ صحة السكان المحليين كذلك. و من ناحية ثانية فالتوسع الاقتصادي و اعادة التركيب والانتاج الاجتماعي و ما يرافقه من سيطرة على الشعوب، لا بد له من تنمية الطب كوسيلة بجانب الوسائل الأخرى لاكتساب المعرفة و توسيع السيطرة. فالمشروع الاقتصادي الاجتماعي للرأسمالية في عصرها الامبريالي لا يعد غزوا كما في العصور الماضية فحسب، بل ان طموحه في أن يصبح نمطا مطلقا ضمن التشكيلات الاجتماعية الخاضعة   يقوم على تحطيم بنيات و استعباد أخرى و في نفس الوقت القيام بنسيج جديد.
و الجدير بالذكر أن هذه الحركية الرأسمالية تتسم بالسرعة و القوة. و لا بد اذن من أن يندمج هذا المتغير في السلسلة العامة كمسلك من المسالك ذات الأهمية، و بالخصوص لكونه ذو غلاف ايديولوجي ممتاز. اذ لا يبقى من كل هذا في نهاية المطاف الا الدور الحضاري و القوة العلمية للآلهة الآتية من وراء البحار برسالة خالدة. حتى زعم "رودلف فيرشو"، رائد باثولوجية الخلية أن السياسة "ليست الا الطب على نطاق واسع".
و بالرجوع  الى حرب التحرير الريفية، فان وظائف الطب الامبريالي تجلت بوضوح و في فترة وجيزة، فهناك الجانب الحربي و النفسي السيكولوجي و الاقتصادي في آن واحد. فكل ما قلناه كان يتم تطبيقه على طول الحدود مع المناطق المحررة أو الثائرة.  وقد صرح المقيم العام ستيك ( STEEG) بأنه خلال سنوات 1925 و1926 و خصوصا في فصل الشتاء حيث تصعب المواصلات كان يحصل أن ننجح في جلب بعض القبائل الثائرة وذلك بانشاء بعض المستوصفات الطبية بالقرب من هذه القبائل. و قد كانت النتائج جيدة ابان عدوى التيفوس حيث كانت بعض القبائل تتجاوز تعليمات وتحذيرات عبد الكريم.(15)
و سنغني بعض الجوانب التي تحدثنا عنها في العمل الطبي من خلال ترجمة للوثيقة الأولى بتصرف وترجمة تامة للوثيقة الثانية و هما تقريرين قدمهما الدكتور "كود" رئيس البعثة الطبية الفرنسية للريف، وقبل ذلك سنتستعرض الجانب التكنولوجي الباهر في الطب الفرنسي خصوصا في حرب الريف. ألا وهو انطلاق الطيران الطبي لأول مرة في التاريخ وتطوره منذ بداية حرب الريف التحررية.

 -II- حرب الريف وانطلاق الطيران الصحي

 
1-حرب التحرير وبدايات الطيران الصحي
تميزت الحرب العالمية الاولى في جانبها العسكري بظهور الدبابات واستعمال سلاح الطيران في المطاردة والاغارة والقنبلة من لدن جل القوات المتحاربة التي ا ستفادت من تجارب ايطاليا في اعتدائاتها على الشعب الليبي.وغداة الحرب يمكن التشديد على نقط ثلاثة تهم موضوع الطيران الصحي هي:
1- فرض على الالمان التخلي عن السلاح الجوي(1) مما سيؤدي الى اشتداد السباق في هذا الميدان،
2- خرجت اوروبا من الحرب مفلسة اشد الافلاس:فاقتصادها محطم وميزانياتها مثقلة بالديون. وقد انتقل الثقل الاقتصادي العالمي الى صالح اليابان والولايات المتحدة على الخصوص حيث اصبحت اول قوة اقتصادية في العالم. وهذا مازاد الصراع على المستعمرات اشتدادا عوض ان تحد وطاته هذه الحرب.
3- فرضت الثورة البلشفية معادلة جديدة وبالخصوص في الجانبين السياسي والايديولوجي. فقد اعطت قوة كبيرة للشيوعيين والاشتراكيين في العالم وغدت الامل في الشعوب المستعمرة وفي جموع العمال والمستغلين.
وفي ظل هذه الاوضاع اصبح الحزب الاستعماري الفرنسي في مازق استراتيجي يهدد بالانهيار مشروعه بكامله و بالخصوص غي افريقيا الشمالية و سوريا. غاستنقر كل قواه، وحالفت"ديمقراطيته الليبرالية" الديكتاتورية الاسبانية، كما ارتبطت كل قوى حضارته الواعدة( من جيوش الى رجال اعمال...)باقبح القواد الاقطاعيين الموغلين في الرجعية والقروسطية.و اختار مرة اخرى وكما هي عادته طريق القتل و التقتيل و البؤس والدمار رغم خروجه من حرب مدمرة خربت مزارع ومعامل فرنسا. فارواح الجنود الفرنسيين والمجاهدين المغاربة والسوريين ليست لها ادنى قيمة امام ضرورات تثمين الؤاسمال واعادة بناء تركيباته التي تمر حسب تصوره عبر القضاء على الثورة في الريف و سوريا كي يتسنى له تركيز سيطرته على افريقيا الشمالية لضمان استغلال هادئ و سريع. فلا عظمة الا بالمستعمرات ولا تدارك للانهيار الا باخضاعها والتنافس مع باقي الامبرياليات.
2- حرب الريف و ضرورات اعادة تنظيم مصلحة الصحة
اندلعت حرب التحرير الريفية غداة الحرب العالمية الاولى. و ادت انتصاراتها و بالخصوص انتصار انوال الى رعب كبير في اوساط الاستعماريين الفرنسيين من معمرين غاصبي الاراضي الفلاحية الى ارباب المعامل و النقل و باقي القطاعات. وقد اصبحوا يتحمسون ويستعدون لنصرة اسبانيا و يضغطون على باريس لتتبنى اطروحاتهم الاستعمارية الحربية.
تاركين للقارئ حرية التعليق و التمعن. و لا يفوتنا أن ننبه الى أن هذه الوثائق موجهة للأطباء الفرنسيين عن طريق مجلتهم المغرب الطببي عدد 15-5-1926 بيد أن التقرير بكامله و بالخصوص مع الملحقات، لم يتم الكشف عنهم في هذه المجلة.
لقد أدت حرب الريف التحريرية، و منذ انتصاراتها الاولى الى انتفاضة كبرى في جل العلوم و التكنولوجيات وكل الميادين المرتبطة بالمشروع الاستعماري الفرنسي. كما أسست لدينامية لا مثيل لها في الحقل السياسي حيث أعطت قوة دفع كبيرة سواء للمعسكر التقدمي في نضاله ضد البنيات الاستعمارية أو للمعسكر الكولونيالي. فانتعشت النضالات والمواقف والكتابات و الابحاث بين مؤيد لحق شعوب المستعمرات في تقرير مصيرها ومعارض مولع بالمشروع الحضاري الغربي او مسكون بالهدف الاستعماري الاستيطاني. وانتعشت كذلك الصناعات الحربية و الصيدلية بارتباط مع مستلزمات الحرب.
و في الميدان الطبي، فقد شكلت هذه الحرب مناسبة للطب الامبريالي الفرنسي كي يخطو خطوات تخرى جريئة حيث قدمت فرصة للاطباء كي يعبروا مرة اخرى لليوطي عن تعبئتهم و اقدامهم في اطار تصوره لدور الطبيب الطلائعي. فقد تم ولاول مرة في التاريخ استعمال الطيران الصحي في خضم معارك فرنسا لاخماد ثورة الريف بعد انتصاراتها المخيفة للاستعمار وثورات الوطنيين السوريين المقلقة غداة الانتداب على سوريا. و بهذا يعد المغرب و سوريا مهدا الطيران الصحي اذ في الاعتداء الاستعماري عليهما اخذ اوراق اعتماده.
وما ان انفجرت الحرب الاهلية الاسبانية، ثم الحرب العالمية الثانية حتى كان الطيران الصحي قد شق طريقه الى المجد قبل ان يتوج ابا لطب الكوارث و للهيلكوبتير الصحي.
مع الانتصارات الاولى لحرب الريف التحريرية، كان لا بد أن تتسارع وثيرة التحولات في الاستراتيجية الكولونيالية والتكنولوجيات المرتبطة بالمشروع الاستعماري. وهكذا انتعشت الصناعات الحربية والصيداية والغذائية بارتباط مع مستلزمات الحرب.
كما شكلت هذه الحرب مناسبة للطب الامبريالي الفرنسي كي يخطو خطوات جريئة حيث قدمت فرصة للاطباء ليعبروا مرة اخرى لليوطي عن تعبئتهم واقدامهم في اطار تصوره للدور الطلائعي للطبيب. وهكذا تم ولاول مرة في التاريخ الانساني استعمال الطيران الصحي في خضم معارك فرنسا لاخماد ثورة الريف وثورات الوطنيين السوريين غداة الانتداب على سوريا. وبهذا يعد المغرب وسوريا مهدا الطيران الصحي، ففيهما حصل على اوراق اعتماده لينطلق انطلاقته الكبرى في الحرب الاهلية الاسبانية ثم ليعبد طريق المجد في الحرب العالمية الثانية ويتوج بعد ذلك أبا لطب الكوارث وللهيلكوبتير الطبي.
3-الاستعمار الفرنسي يدق طبول الحرب
عرفت اسبانيا صعوبات جمة في السيطرة على الريف وأهله وكانت دائما في حاجة الى المساعدة الفرنسية. فيما كانت فرنسا تتأرجح بين استراتيجية التدخل المباشر التي كان يتزعمها غلاة المعمرين وبين استراتيجية الاحتواء، نظرا أولا لانعدام بنية مخزنية أو تشكيلات اقطاعية للقواد الكبار كما في المناطق الجنوبية، ونظرا كذلك لصعوبة المنطقة ولتجارب فرنسا المرة في جبال الاطلس.(12).
وعلى الصعيد العالمي فقد تغيرت الظرفية الاقتصادية والعسكرية والسياسية غداة الحرب العالمية الاولى. فقد تميزت الحرب في جانبها العسكري بظهور الدبابات واستعمال الطيران في المطاردة والاغارة والقنبلة. وفرض على الالمان التخلي عن السلاح الجوي(13). وكانت النية وراء ذلك هي كسب الوقت الكافي لتحقيق سبق استراتيجي في هذا الميدان الجديد وتجريبه في المستعمرات ليكون جاهزا عند الاقتضاء.
واقتصاديا فقد خرجت اوربا من الحرب مفلسة أشد الافلاس. فاقتصادها محطم وميزانيتها مثقلة بالديون. وقد انتقل الثقل الاقتصادي الى صالح اليابان والولايات المتحدة  على الخصوص حيث أصبحت هذه الاخيرة أكبر قوة اقتصادية في العالم.
وفي الجانب السياسي و الاديولوجي، فقد أتت الثورة البلشفية بمعادلة جديدة حيث أعطت دفعة وقوة كبيرتين للشيوعيين والاشتراكيين في العالم كما غدت الامل في الانعتاق بين جموع العمال والمستغلين وشعوب المستعمرات.
وفي هذه الظروف وجد الحزب الاستعماري الفرنسي نفسه في مأزق استراتيجي يهدد المشروع الكولونيالي بكامله وبالخصوص في سوريا شرقا وفي افريقيا الشمالية غربا. فاستنفر كل قواه في المتروبول وفي المستعمرتان وتحالفت »ديمقراطيته الليبرالية« للجمهورية الثالثة مع الدكتاتورية المتأخرة الإسبانية كما ارتبطت جيوش حضارته الواعدة بأقبح القواد الإقطاعيين الغارقين في الرجعية والجهالة والموغلين في استعمال الأساليب القروسطوية المظلمة. وهكذا اختار مرة أخرى وكما العادة طريق القتال والدمار رغم خروجه من حرب مدمرة خربت مزارع ومعامل فرنسا. فأرواح الجنود الفرنسيين والمجاهدين المغاربة ليست لها أدنى قيمة أمام تصوره عن ضرورات تثمين الرأسمال وإعادة بناء تركيباته التي تمر حسب استراتيجيته عبر القضاء على الحركة التحررية في الريف وفي سوريا حتى يتسنى له تركيز سيطرته في الشرق وفي إفريقيا الشمالية وضمان استغلال هادئ، سريع وغير مكلف. وقد رفض نداء يوليوز 1923 الذي وجهه الزعيم عبد الكريم للبرلمان الفرنسي من أجل "انبعاث للريف"(14) فبالنسبة للسياسة الكولونيالية، لا عظمة إلا بالمستعمرات ولا تدارك للانهيار إلا بإخضاعها بالقوة والتدمير والتنافس مع باقي الامبرياليات إلى حد الجنون.
  أ- حروب الجبال وتدخل الطيران :
اندلعت حرب الريف ثم تلتها الثورة المسلحة في سوريا غداة الحرب العالمية الأولى وفي الريف كما في جبل الدروز صادفت فرنسا صعوبات الجغرافيا وبأس المجاهدين. وكان الطيران الحربي في بدايته يشعل حماس الجنود الطيارين ونهم الصناعات الحربية.
 

1- التجارب الأولى للطيران :

يعتبر الإخوان رايت WRIGHT أول من حقق انتقال الطيران من الفكرة والخيال إلى الواقع وذلك يوم 17-12-1903 حينما أقلعت طائرتهما وحلقت لمدة 12 ثانية فوق كيتي هاوك Kitty Hawk بكارولين الشمالية Caroline du Nord في الولايات المتحدة الأمريكية. وما أن حلت سنة 1909 حتى قطع لويس بليريوت Louis Bleriot المانش في 32 دقيقة. وعلى مستوى الإنتاج، فإذا كانت الطائرات وحتى أواخر الحرب العالمية الأول تقليدية يدوية تصنع من الخشب والأشرعة، لها جوانب مفتوحة يظهر ما بداخلها، فإنها بدأت تعرف الصنع الحديث المتماثل النموذج standardisé وأخذت تلج عبر سلاسل التركيب الإنتاج المسترسل الغزير. أي أنها استقطبت اهتمامات أصحاب المعامل والمصانع الكبرى. كما أضحت ميدانا جديدا لتدخل الأبناك وتوظيف الأموال مما أعدها لاحتلال مكان ممتاز في اقتصاد الحرب عشية الحرب العالمية الثانية.
ANTOINETTE VII - LEON LEVAVASSEUR (1909)
 
COURSIER DEPERDUSSIN - LOUIS BECHEREAU (1913)
 

2- اهتمام العسكر بالطيران

أخذ العسكر يهتمون بالطيران اثر النجاحات التي حققها المدنيون المهووسون بالاكتشافات وخصوصا بعد توالي روائع الهواة والمتسابقين في تحطيم الارقام القياسية المختلفة وكذا حرص الصناعيين وذوي رؤوس الاموال على الاحتضان أو الفوز يالاستثمارات المقبلة الواعدة عبر شراء براءات الاختراع والاندماج المبكر في المسالك الجديدة لصناعات المستقبل. وعلى خلفية عدوانية وفي أفق حربي فقد تخندق كل بلد في نفقه ومضى يعد العدة حربيا وصناعيا طوال تظاهرات الطائرة والطيارين لسنوات 1908و 1909 و 1910 . وموازاة مع هذه الدينامية قامت عساكر اوربا الغربية وأمريكا بأولى المناورات بواسطة الطائرات البرمائية بالخصوص وبقي ذلك في طي الكتمان قبل أن تبادر ايطاليا الى استعمال الطائرة في العمليات الحربية في سنة 1911 في الحرب المعروفة بالحرب الايطالية-التركية على أرض طرابلس.

3- الطائرة والمركب الصناعي الحربي

اذا كانت المصلحة الا قتصادية تدفع باتجاه الاستعمار، فانها كانت كذلك وراء الدفع بالتطور السريع لصناعة الطائرات. ففي سنة 1911 تشير الاحصائيات المتوفرة على أنه تمت صناعة 1350"ايروبلان" في العالم كما تم القيام ب13000 سفرية فوق البوادي وأشارت كذلك الى أن 000 12 طيارا قاموا بقطع ما مجموعه 000 600 2 كيلومترا.
وبموازاة مع الاستعمال الحربي كانت الاستعمالات التجارية والبريدية والسياحية تشق طريقها باصرار في السوق الاقتصادية العالمية مكسرة قيد الحدود ومحلقة في أجواء لا يملكها بعد أي أحد. وقد أدى هذا الوضع وفي اطار الصراع بين الدول الاستعمارية الى ظهور قانون جديد يقنن استعمال الفضاء والاجواء الوطنية والدولية. كما كسرت الطائرة طوق عقبات الاتصال والتواصل، ففي يوم 18 فبراير من سنة 1912 والحرب الايطالية-التركية-الليبية في أوجها ، قام ّهنري بيكيت" بأول بريد جوي في الهند على طائرة"سومر" بمحرك ذي 50 حصانا. أما في 3 مارس من نفس السنة، فقد قطع الفرنسي "رينو"،366 كيلومترا الفاصلة بين باريس وبوي دوم مؤكدا بذلك بداية السفريات الطويلة.
ويبقى أن أول حقل للتجارب الحربية بالطائرة، تمت مباشرته كان على يد الديكتاتورية الإيطالية في الحرب المعروفة بالحرب الإيطالية التركية على أرض ليبيا الشقيقة لاستعمار طرابلس في سنة 1911. وكان هذا السبق الإيطالي حافزا لتسريع الخطى الفرنسية وهكذا قدمت للقوات الجوية الفرنسية أول طائرة حربية في سنة 1915 وهي طائرة "فارمان FARMAN" المسمات ب "قفص الدجاج la cage à poules"، ثم طائرة كودرون CAUDRON مزدوجة المحرك في سنة 1916 والتي استعملت للمراقبة والقنبلة.
 

4- تجارب الطيران الصحي والاحتضان :

وبعد لمس منافع الطائرة ونجاحات سلاح الجو، ظهرت الرغبة مبكرة لدى الأطباء في الاستعمال الطبي للطائرة. ولكن كان على الرواد الأوائل أن يعثروا على الاحتضان السياسي والمالي. وكانت ماري مافان « MARIE MARVINGT »تعتبر أول مؤسسة للطيران الصحي سنة 1910 لما طلبت من القيادة العامة للجيش خلق فرقة للطيران الصحي وتشبثت بفكرتها بين سنوات 1911 و 1914 خيث قدمت طلبا للمهندس روشرو بتصميم أول طائرة اسعاف فرنسية وفاوضت صناعيا من أجل الانتاج غير أن اقلاسه لم يمكن من مواصلة المحاولة. وفي نقس الفترة كان الجنرال الهولندي ديموندي يطالب بدوره باعتماد نقل الجرخي بالطائرات. ولهذه الأسباب كذلك فقد أخفق الدكتور شاسانغ CHASSAING في مسعاه للاحتضان على الجبهة الفرنسية غير أنه حول وجهته إلى المغرب حيث ظفر بموافقة ليوطي الذي كان يتقد طموحا وينتقد أداء الجيش الفرنسي في الحرب وكله فخر بنجاحه في "سياسة التوغل والتهدئة" بالمغرب. كما أنه كان من ناحية أخرى ينفق في بلد الحماية بلا محاسب ولا منازع. وهكذا حالف الحظ شاسانغ، فصمم خرائط أول طائرة صحية فرنسية في أوائل سنة 1917ثم ظفر باحتضان شركة BREGUET.
"ففي أكتوبر 1917 توقع شاسانغ وكتب بأنه في المغرب وفي الشرق حيث يوجد المحاربون دائما بعيدين عن الوحدات الصحية، فإن للطائرة دورا هاما يجب أن تلعبه(16).
وما أن حل آخر يوليوز 1918 حتى وصلت إلى الدار البيضاء أربع طائرات من نوع DORAND-DALSACE-A.R. وهي طائرات خضعت لترتيب وتهيئة حددها شاسانغ. لكن هذا السرب الأول من الطائرات لم يحالفه النجاح في مهامه. فقد وصلت هذه الطائرات غير القابلة للاستعمال في الجبهة الفرنسية بمحركات منهكة وبدون قطع غيار. بعد ذلك ارتبط الدكتور بشركة بريكيت فحقق ترتيب وتهيئة الطائرة الجيدة بريكيت 14A2. وفي نونبر 1920 تم الوعد بإرسال 20 طائرة طبية للمغرب و16 للشرق كتجربة. والجدير بالذكر أن هذه السنة عرفت التصنيع المعدني الكامل للطائرات خصوصا بعد قطع محيط الشمال في سنة 1919 والايمان القطعي بالمستقبل الزاهر للطيران في شقيه العسكري والمدني التجاري.
وهكذا وصلت إلى الدار البيضاء خلال شهري أبريل ومايو من سنة 1921 الطائرات الموعودة من طراز 14A2 ذات محرك رونو ب 300 حصان. وفور انتهاء التركيب والتجريب أرسل البعض منها إلى مدينة مكناس لأن قوات هذا القطاع كانت تواجه اشتباكات صعبة شرق مدينة وزان الثائرة المساندة لثورة الريف ويمكن القول حسب وثيقة المعرض الاستعماري الدولي لباريس لسنة 1931 أن أول إجلاء للجرحى بالطائرة كان يوم 29 مايو 1921 ويعتبر بحق بداية للطيران الصحي كما كان منظما وقتذاك  بالمغرب(17).
 

الطائرة الصحية بليريو

فلقد تلقى الطبيب الجراح التابع للوحدة الصحية الأساسية لعين الدفالي جنديي مدفعية أصيبا بجراح بليغة في الجبهة عقب إطلاق نار متواصل وكان يلزم نقلهم بسرعة إلى مستشفى التجهيز. ولهذا طلب الطبيب الأول من الدرجة الأولى الدكتور كومت عن طريق الهاتف استقدام الطائرة الصحية الراسية في مدرج "حدكورت"، وبعد ساعة ونصف كان الجريحان في مستشفى الرباط العسكري على بعد 100 كلم. وقد شجع نجاح هذه العملية الطبيب الجراح فأرسل في الغد 30 مايو جريحان آخران إلى مستشفى مكناس  العسكري ومنذ ذلك الحين لم يوقف الطيران الصحي خدماته التي أخذت تنتشر في كل أنحاء المغرب بقدر ما كانت تبنى مدرجات ومهابط للطائرات.
 وبين سنتي 1921 و 1922 أعقب الدكتور شاسانغ «  CHASSAING »في قطاع الطيران الصحي الطبيب الرئيسي ايبولا معتمدا طائرات بريكيت خلال حرب الريف.
وفي المقابل كان المجاهد المغربي يجر مع هموم استعمار بلده، أثقال تخلف اقتصاد لا أهداف توسعية له ولا آفاق صناعية تبشره، بل يئن هو كذلك تحت وطأة جبروت نمط الإنتاج الرأسمالي الذي يدك أركان أسواقه ومنتوجاته.
وفي هذا الصدد يجب التنبيه الى ان الطموحات ومباشرة الاصلاح لم تكن غائبة على زعماء الريف ولكن وكما حصل في مصر محمد علي وفي الهند فان تدخل الاستعمار يهدف الى اجهاض كل محاولات النهضة والانبعاث. ولقد فصلت كثير من الدراسات جوانب الاصلاح في ثورة الريف   وشدت باهتمام كثير من الباحثين والمؤرخين ففي الشام يقول الدكتور نقولا زيادة:" فقد أثبت عبد الكريم كقائد عسكري وزعيم سياسي كفاءة قل نظيرها، وخلق دولة حديثة برلمانية، وأوجد لها نظما ادارية ومالية جديدة وقام باصلاح زراعي وديني" واننا نأخذ مأخذ الجد ما أضافه نقولا زيادة في باب الطيران"... وأنشأ جيشا يعتمد على أحدث اساليب القتال ويملك مختلف الاسلحة بما فيها الطيران". فلقد التحق بالثورة الكثير من الجنود والضباط المغاربة كما وظف الزعيم عبد الكريم الخبرات الأجنبية والاسرى وأرسل أطرا للتدريب ولعب على التناقضات بين فرنسا والمانيا وايطاليا.
ب- حرب الريف وضرورات إعادة تنظيم مصلحة الصحة :
أدت انتصارات حرب التحرير وبالخصوص معركة أنوال المظفرة إلى الرعب في أوساط الاستعماريين الفرنسيين من المعمرين غاصبي الأراضي الفلاحية المغربية إلى أرباب المعامل والنقل والسياحة وباقي القطاعات، الذين أصبحوا يتحمسون لنصرة إسبانيا ويضغطون على باريس لتبني أطروحاتهم وتمويل الحرب ملوحين بالخطر الشيوعي الذي يتهدد إفريقيا الشمالية. كما ألهمت ثورة الريف المجيدة سواء من حيث بطولاتها أو أدواتها الاستراتيجية والتاكتيكية العديد من القادة والثوار في أنحاء مختلفة من المعمور.
وعلى مستوى أركان الحرب الإسبانية والفرنسية فقد أدى تطور الحرب بضراوة معاركها وتجدد الأساليب الريفية إلى مفاجأة وإحباط القيادات العسكرية. وكانت الانتصارات تخلق بحق رجات قوية تزعزع أركان الاستعمار الذي اضطر إلى إعادة تنظيم وهيكلة المصالح العسكرية والطبية على طول جبهات القتال كما في الجبهات الخلفية للمعارك.
ولقد بلغت هذه الرجة مبلغا لم يكن يخطر على بال ذلكم المجاهد الريفي أو الجبلي البسيط المسلح فقط بالإيمان بقضيته، فقد كان يذهب بسلاحه البسيط إلى لقاء ربه راضيا مرضيا دون أن يتصور أن الجبهة الخلفية لعدوه تضم كلا من تونس والجزائر فضلا عن المتروبول. فكانت هذه الجبهة الخلفية تمد جبهة القتال بتعزيزات ضخمة ثم ازدادت خصوصا من فرنسا والجزائر إثر التحاق القبائل المحايدة لنهر ورغة بالثورة واقفالها للمراكز العسكرية المنشأة من طرف فرنسا والمتوفرة على مدارج لإقلاع الطائرات.
ومن جهة المجاهدين فقد كان العربون والتحذير يقدم على شكل جرحى ومرضى يصلون حتى إلى تونس وفرنسا والجزائر، القاعدة الخلفية للقوات الغازية مما يدل على كثرة المصابين وضراوة المعارك. فيما تنقصنا الوثائق عن طب الثورة وعن ظروف المجاهدين الأبطال حينما يصابون. وكيف ما كان الحال فلن يرق ذلك إلى المستوى المادي والتقني مثل الذي هيأه الاقتصاد والمجتمع الفرنسي لمشروعه الاستعماري من تقدم طبي وعلمي واليات وساسة.
  ¬ تطور الطائرات الصحية وتلبية الحاجات الجديدة :
في شهر مايو من سنة 1922 أعلن وزير الحرب الفرنسي عزمه على إرسال طائرات جديدة من نوع ليموزين بريكيت T14 bis إلى المغرب لينقل الجرحى. وبالفعل فقد وصلت الطائرات الأولى من هذا النوع في غشت 1922. غير أن الطائرات المصنعة من طرف شركة بريكيت من نوع 14-A2 أو T14 bis أظهرت محدوديتها نظرا لكونها طائرات كبيرة تستوجب إنشاء مهابط طائرات ومدرجات خاصة، الشيء الذي لم يكن ممكنا في جل مناطق الصراع الجبلية. ولهذا تطورت الحاجة إلى طلب طائرات طبية خفيفة يمكنها الذهاب تماما إلى مقدمة الجبهة لأخذ المصاب في أرضية صغيرة. وقد ظهرت هذه الحاجة بشدة وكان طلب الطائرات الخفيفة ملحا بعد انتصارات موحى وحمو الزياني والسملالي والنكادي  منذ 1918 و إبان عمليات 1923 بالأطلس المتوسط.
وفي إطار هذا المشروع الجديد تم استقدام اليوتنان طوري Lieutenant THORET من طرف قائد علم الطيران للقيام بدراسات حول التحليق الشراعي بطائرة هانريوت HANRIOT وإبداء رأيه حول استعمال عقلاني لهذا النوع من الطائرات في ظروف المغرب . وفي يوليوز 1923 حصل ذات يوم بأزرو أن كان طوري لوحده بدون ميكانيكي فأخذ يطلع ويهبط بطائرته لوحده في أرضية لم تكن إلا حقل أحجار كبيرة. وهنا وجد الحل : فالذي يصلح لظروف وجغرافية المغرب هو طائرة طبية من نوع HANRIOT وبذلك تم استقدام طائرات "سطافيت" من نوع هانريوت إلى المغرب في سنة 1924. وعند الفحص والتجربة تبين للأطباء والمهندسين العسكريين استحالة تهيئة هذه الطائرة بحيث تنقل المصابين وهم ممددين، فتم إخبار الكولونيل شوتان والدكتور إيبولارد في شتنبر بضرورة إيجاد طائرات معدة بشكل آخر يكون ملائما. فطلبتها مصلحة الصحة في أكتوبر. وفي يناير عام 1925 تمت دراسة الطلب الجديد من طرف ضابطين فوافقا على تصميم التهيئة الجديدة وفي يونيو 1925 والعدوان الفرنسي في أوجه على الريف بدأت 6 طائرات مهماتها في المقدمة في الجبهة الشمالية. وهكذا وبعد التعزيزات من الجبهة الخلفية  وصل عدد القوات الفرنسية في شهر غشت من سنة 1925 إلى 140.000 عسكريا. وتلازم ذلك مع قيام الطيران الفرنسي بقصف المجاهدين في جبل الدروز بسوريا واستعمال طائرات صحية مماثلة.
  ­ إعادة تنظيم مصلحة الصحة :
كانت مصلحة الصحة العسكرية بالمغرب، وإلى بداية العشرينات تظن أنها لن تحتاج إلا إلى تنظيم عادي وبسيط تستلزمه عمليات شرطة بسيطة تدخل في إطار التهدئة والتغلغل السلمي.
وقد تجلى ذلك أولا في تحديد دور المصلحة الصحية في مهمتين : الأولى ترمي إلى توفير الأطر الصحية اللازمة لكل منطقة من مناطق العمليات وللوحدات المتنقلة التي تخرج للعمليات. وتقتضي المهمة الثانية مساعدة "الأهالي" في إطار الدور الذي رسمته سياسة المقيم العام ليوطي للطب من حيث الجاذبية والتأثير الخلاب والتوغل السلمي غير المكلف والمراقبة الصحية والسياسية وجمع المعلومات ذات النفع لتحقيق الأهداف الكبرى للغزو.
لكن بخلاف المقاومة التي واجهت فرنسا منذ 1912، فإن حرب التحرير الريفية قلبت كل الموازين عسكريا وسياسيا ولم تكن تنقصها إلا الخلفية الاقتصادية فالجديد الذي أربك المخططات الاستعمارية هو هذا الانتشار المتواصل في الزمان والمكان للثورة، فقد همت جبهة تفوق 300 كلم وألفت بين عدة قبائل ودامت 6 سنوات مسجلة عدة انتصارات ومنها انتصار أنوال الذي أفزع الأركان العامة لجيوش إسبانيا وفرنسا. ثم هناك وصول الدعاية الريفية إلى كل الأقطار العربية. بما فيها سوريا والعراق وتضامن الأحزاب والحركات الشيوعية في العالم وآفاق تدويل الصراع.
وهكذا بوشر وبسرعة إعادة هيكلة القوات الفرنسية من جيش وإدارة مدنية واقتصاد، وقد قضى ذاك أيضا بضرورة إعادة تنظيم مصلحة الصحة.
وعليه ففي فبراير من سنة 1925 أنشأت مصلحة الصحة بالمغرب 8 مراكز للفرز والإجلاء على طول خط المواجهة في الأماكن التالية :
  1- اولاد علال         2- وزان               3- تروال
  4- قلعة سلاس         5- عين عائشة 6- باب مورودج
  7- سيدي بلقاسم                8- النخيلة
ويعتبر كل مركز من هذه المراكز نواة صلبة للمعدات والتحصينات، فضلا عن قيامها بمهمات ثلاث تقليدية وهي : الاستقبال والتغذية والعلاج الفوري للجرحى الأوائل في حالة هجمات وتحديد الحالات التي يجب أن تنقل بالطائرة إلى المستشفيات الكبرى. ولقد رسم لكل مركز دائرة عسكرية تابعة له.
أما في الجبهة الخلفية، فهناك المراكز الكبرى وتتوزع على الحاميات العسكرية الكبرى في كل من مكناس وفاس وتازة حيث توجد مختلف التخصصات العاملة في الميدان الطبي ومختلف المعدات الجراحية وكذا السيارات الجراحية المتنقلة وكلهم على أهبة الاستعداد لتقوية أي نقطة مهددة.
وفي الأبواب الشرقية والغربية للمغرب، بكل من الدار البيضاء ووجدة أنشأت المخازن المركزية وصيدليات الاحتياط التي تم تموينها بكفاية عدة وعددا. ومع تطور الأوضاع اللوجيستية والحربية واشتداد وطأة المعارك، تم وبسرعة تحديث المنظومة كلها من جديد وذلك بإنشاء 3 قطاعات :
  1- القطاع الشرقي : ويرتكز على تازة كقاعدة حيث يوجد بها مستشفى عسكري.
  2- القطاع الأوسط الذي يضم 3 طرق تؤدي إلى فاس حيث يوجد المستشفى العسكري أوفير.
  3- القطاع الغربي الذي يصل الرباط والقنيطرة وسوق أربعاء الغرب. أما في وزان فقد تم فتح مصلحة تمريض وتوفير سيارة إسعاف وإنشاء مهبط للطائرات.
حسب شهادة الدكتور كرافو « GRAVOT »  الطبيب الرئيسي من الدرجة الأولى فان العمليات العسكرية وعمليات تجميع القوات استمرة سنة 1926 وكانت تتم حوالي مدينة فاس كما يلي:
· من مايو الى آخر أكتوبر في الجبهة الشمالية
· ومن يونيو الى يوليوز في تيشوكت وبقعة تازة
وعلى المستوى التنظيمي فقد تكونت عدة أسراب ملحقة بالقيلق 37 المسمى فيلق طيران المغرب وقد شاركت كطيران صحي في العمليات وكان يتم تجميعها في القواعد الجوية بكل من :
· عين عائشة وعين دريج (بالمجاعرة)
· وبني مالك (بوزان)
ولا يفوتنا أن نذكر بأن الجبهة الخلفية تضم دائما المستشفيات العسكرية بتونس والتي أصبحت في سنوات 1925 و1926 مستشفيات لإجلاء الجرحى. وهكذا استقبل مستشفى بلفيدير بتونس لوحده 437 جريحا أو مريضا ما بين 30 يوليوز 1925 و30 نونبر 1926.
وبعد استعادة منطقة وادي الدرادر من طرف القوات الغازية وهي منطقة استراتيجية  كانت فرنسا تتوفر فيها على المهبط الوحيد الجيد للطائرات في عين دريج، فقد أصبح هذا المركز من جديد ذو أهمية  كبرى في استقبال الجرحى وفي تلقي التعزيزات الطبية وخصوصا العسكرية الضخمة التي أتت من فرنسا القاعدة الخلفية الأساسية للاعتداء الاستعماري.
3 الطيران الصحي في خضم المعركة :
نظرا لصعوبة المقاربة بسبب عدم توفر الوثائق أو ضياعها أو توزعها بين عدة كتابات لأطباء والتي ينبغي تدقيقها ومقاطعتها فيما بينها، فإننا نكتفي هنا بإشارات وأدلة نوجزها في أربع ملحقات :
  - اثنتان تهمان التدخل خلال المعارك الحربية.
  - بينما تقدم الثالثة جردا لقوات الطيران.
  - وتفضي الرابعة إلى بيان إحصائي عن عدد الجرحى الذين تم إجلاءهم بواسطة الطائرات الصحية. وفي باب الوثائق نقدم ترجمة وثيقة عسكرية هي عبارة عن "تهنئة الفيلق 37 للطيران" من طرف اللواء ماجينو.
 
ملحق رقم 1- بعض العمليات في حرب الريف
- في شتنبر 1925 كان إجلاء الجرحى والمرضى يتم كالتالي :
  ¯ سيارات الإسعاف التابعة للطابور المتنقل تتبع الجنود حسب التكتيك الصحي المعتاد في المغرب.
  ¯ يتم إجلاء الجرحى عبر محور : الكيفان – دار القائد المذبوح – تازة وذلك بواسطة المحمل أو المقعد من المقدمة إلى الكيفان. ثم بواسطة العربات الصحية الخفيفة من الكيفان إلى دار المذبوح فتازة.
  ¯ فيما يخص المصابين بكسور كبيرة وجروح بليغة والذين لا يمكن تنقيلهم بالسيارات، فيتم ذلك بواسطة الطائرة الصحية نحو فاس ومكناس.
  - منذ 17 أكتوبر، بعد اشتباك جهة سيدي علي بوركبة :
  أصبح إجلاء الجرحى صعبا بسبب المسافة الطويلة والأرضية المبللة. وقد وجد الليوتنان المسؤول منفذا للإجلاء عبر الكيفان غير أنه لا يوفر الأمان اللازم. فتم إذن تحويل إجلاء الجرحى إلى طريق "حاسي مظلام" ثم "كرسيف" (حوالي 120 كلم). ولكن بسبب فيضان نهر "مسون" وجب القيام بمسافنة من ضفة الى أخرى لان العربات لا يمكنها تخطي المجازة. ولقد قدمت الطائرات الصحية خدمات هائلة في هذا القطاع حيث تم نقل 20 مصابا بجروح خطيرة بواسطة الطائرات الى كرسيف مما سهل مهمة سيارات الا سعاف. 
ملحق رقم 2- بعض العمليات في "بقعة" تازة
- عمليات ضد بني زكروط
- 17 اكتوبر 1923 :
في الصباح تم اجلاء 20 من المصابين بجروح بليغة الى مهبط الطائرات ب"المنزل" ومن ثم نقلوا بالطائرة الى مستشفى تازة.
- عمليات في الجبهة الشمالية: اسوال، بني كويا، عين بوعيسى
 تم نقل 13 من جرحى الحرب ومريض واحد(11 الى الرباط، و2 الى مكناس) عبر مهبط بني مالك قرب وزان وذلك بعد قطعهم لمسافة 25 كلم في طريق غير معبدة وسيئة بسبب عدم توفر الطيران على أي مهبط في سيدي رضوان.
ملحق رقم 3- قوات الطيران الصحي
في 25 يناير 1929 كان الطيران الصحي في المغرب يتوفر  في المجموع على:
* 26 طائرة صحية بريكيت 14 ط بيس( BREGUET 14 bis)
* 17 طائرة هانريوت 14س ( HENRIOT 14 S)
وكانت الطائرات العاملة في هذه الحضيرة 16 طائرة بريكيت و 10 طائرات هنريوت واما الباقي فكان في وضعيات مختلفة( اصلاح، مراجعة ميكانيكية، احتياط)
* مهابط الطائرات:
عين دريج               بني مالك قرب وزان           المنزل قرب صفرو
أزرو                     عين الدفالي                     حد كورت
بوذنيب
ملحق رقم  4 : احصائيات
أ- احصائيات الجرحى المنقولين بالطائرة الصحية
 تجب الاشارة أولا الى أن الاحصائيات المتوفرة والمجمعة هي دون الحقيقة بكثير. لان كثيرا من التقارير أتلفت أو تم نسيانها خصوصا ابان حوادث الريف وفي سنة 1925 بالضبط. 
وفيما يلي جدول لما سجل من جرحى تم اجلاؤهم بالطائرات الصحية ما بين 29 مايو 1921 و 31 دجنبر 1928
1921
1922
1923
1924
1925
1926
1927
1928
المجموع
84
194
819
198
987
398 1
155
134
969 3
واذا علمنا ان المسافة المتوسطة للاجلاء قد بلغت 100 كلم، فاننا نجد بالتالي ان الكائرات الصحية المحملة بالمرضى والجرحى قد قطعت حوالي 000 400 كيلومترا أي ما يعادل 10 دورات حول الارض.
أ- احصائيات طبية أخرى
جدول رقم 1- منشآت الصحة العمومية بالمغرب(21)
 
 
1912
 
1926
 
الوسط الحضري
 
 
 
 
 
المستشفيات الجهوية أو الحضرية
 
1
 
8
 
المستوصفات والمراكز الصحية
 
3
 
11
 
المكاتب الصحية البلدية
 
-
 
15
 
الوسط القروي
 
 
 
 
 
المستشفيات والمستوصفات القروية
 
5
 
25
 
قاعات الفحص
 
27
 
75
 
المجموعات الصحية المتنقلة
 
2
 
15
 
 مجموع الوسطين
 
 
 
 
 
عدد الاسرة
 
163
 
100 2
 
عدد أيام الاستشفاء
 
857 40
 
467 551
 
عدد الفحوص
 
690 32
 
539 924 1
 
جدول رقم 2- الطاقم الطبي في المغرب(22)
 
 
1912
 
1927
 
الاطباء
 
40
 
189
 
الصيدليون
 
16
 
38
 
أطباء الاسنان الجراحون
 
2
 
33
 
المولدات
 
15
 
43
 
جدول رقم 3- ميزانية الدولة وميزانية الصحة العموميةة
 
 
ميزانية الدولة
 
المصروفات الصحية العادية
 
الدواء والمعدات
 
1914
 
-
 
195 1
 
-
 
1921
 
999 268
 
254 11
 
-
 
1922
 
588 287
 
992 11
 
839 1
 
1924
 
243 312
 
144 10
 
100 2
 
1926
 
916 406
 
436 12
 
-
 
الوثيقة الأولى
تقرير الدكتور كود، رئيس البعثة الصحية للريف
بأمر من السيد المقيم بتاريخ 7 ماي 1926 و تبعا للاتفاق الحاصل في مؤتمر وجدة بين البعثات  الفرنسية و الاسبانية و الريفية، فقد تم تنظيم بعثة صحية بهدف التغطية الطبية للأسرى الفرنسيين و الاسبان و عند الاقتضاء للأهالي الريفيين.
و قد تشكلت البعثة في البداية من  :
-  الدكتور "كود  GAUD "  من مديرية الصحة و النظافة العمومية،
-  الدكتور " باران   PARENT "، رئيس فيدراية اتحادات المعطوبين و قدماء المحاربين للمغرب المكلف بقضايا تموين الأسرى،
-  الممرض "عبد السلام الفشتالي" (1 ).
و قد تعززت فيما بعد بالدكتور "مونيي MOSNIER " الطبيب الرئيسي بالممرضية الأهلية بوجدة وبالممرض "كروزا CROZA." ،
و قد أبحر الجميع الى مدينة "نمورس   " NEMOURS (2)  في اتجاه الريف مع البعثة الريفية بعد انتهاء أشغال مؤتمر وجدة (...).
------------------------------------------------
(1) أصبح فيما بعد ممرضا رئيسا بالمركز الصحي"بولان"« Poulain » او"رياض القسطالي" بمكناس،
(2) الاسم القديم لمدينة غزوات المرسى الغربي للجزائر قرب الحدود المغربية الجزائرية.
8 ماي :
كانت الانطلاقة من الرباط على الساعة الخامسة، ثم كان التوقف بمكناس لأخذ الممرض عبد السلام. الوصول الى "تاوريرت" على الساعة 15 حيث وجدنا المراقب المدني "كابريللي" قد جمع المعدات التي سيرسلها "برا" الى "نمورس" (2) المرسي الذي سنبحر منه.
13 ماي / الساعة 12
أخبرنا القائد "علوش" بأن الدواب وصلت و سيمكننا أن نبدأ الرحلة و معنا عتادنا تحت حراسة شيخ ذي لحية بيضاء وقبعة من صوف يسمى "القائد علي". و بدا لنا أن صفة قائد منتشرة جدا (...).
و كان الناس الذين يشكلون موكب حرسنا يمدوننا عن طيب خاطر و بعفوية بالمعلومات عن كل بلد نمر منه. فقد عرفونا على "تريموزين" حيث المنزل العائلي للقائد "حدو".كانت الأرض كثيرة الأودية و كلها تقريبا مزروعة، لكن بسبب الجفاف فان المنتوجات شبه منعدمة. و بعد حوالي 3 ساعات وصلنا الى"طريق الطوموبيل" التي أروها لنا بافتخار. انها طريق تمت تهيئتها. فهي واسعة بكفاية، مبنية في الممرات الصعبة و مدعمة بجدران ساندة. انها جزء من الطريق الكبرى : "أجدير"- "تاركيست" التي تمر منها سيارات "عبد الكريم".
(...)
14 ماي
ععند الزوال‎، زارنا للمرة الثانية القائد "حدو". و لم يخف عنا بأن "الأمير" متحامل علينا و قد تردد كثيرا لاستقبالنا. و حتى لا نجرح أي احساس فقد رجانا :
1- أن لا نأخذ أي صورة فوتوغرافية،
2- أن لا نزور الأسرى الاسبان المتواجدين في "سيدي عبد الله"،
3- أن لا نعطي و لا نتسلم من الأسرى أي رسالة لم يرها الأمير من قبل،
4- أن لا نقدم أي علاج طبي لأي ريفي بدون رخصة كتابية من المخزن،
5- أن لا نبتعد عن خيمتنا.
(...)
و قد أصررت على رؤية الأسرى الاسبان وحصلت على ترخيص، فعلى أي فاننا لسنا أسرى و ان كنا نشبه ذلك.
15 ماي
منذ  الصباح قصف مدفعي عنيف من جهة "تيماسنت". فقد قامت ثلات طائرات مائية اسبانية باطلاق قنابلها على الضفة المقابلة "لواد غيس".
زيارة الأسرى الاسبان ب"سيدي عبد الله". فهم  حوالي الأربعين نفرا وكانوا تحت رقابة "عبد الكريم" فلم يكونوا يشتكون كثيرا من المعاملة. فحالتهم الصحية جيدة، غير أن وباء الزكام انتشر بينهم في هذا الوقت.
(...)
16 ماي
ارتسامات سيئة. الحراس متوتروا  الأعصاب. يبدو أن الهجوم الاسباني يتقدم. في الجانب الريفي الموتى عديدون. و من ناحية أخرى يبدو الناس قلقون من موقف القبائل المحايدة لحدود المنطقة الفرنسية. "حدو" الذي كان سيرجع مع "مونيي" لم يظهر.
 17 ماي
الساعة الخامسة. استيقاظ مباغت. الاسبان قد وصلوا تقريبا الى "تيماسنت" و اننا نخشى هجوما على "سيدي عبد الله" فيجب أن يغادر الأسرى المكان توا. اننا لا نريد تركهم. و بعد ربع ساعة، أخذنا طريقنا راجلين و بدون وسيلة نقل، فقد تركنا في "سيدي عبد الله" أكبر جزء من عتادنا الطبي و كل تمويناتنا.
في الساعة 17 و بعد مرحلة جد شاقة و في أراضي جد وعرة وصلنا الى بوصالح. وضع الأسرى الفرنسيون في منزل للأهالي محاد للمنزل الذي يوجد به منذ مدة طويلة الأسرى الاسبان المصابون بالحمى الصفراء (التيفوس). و قد اغتظنا من هذه الوضعية التي يمكنها أن تؤدي الى عدوى وسط أصحاء على الرغم من أن الوباء قد انتهى.
و قد منعت منعا قاطعا كل اتصال بين الأسرى الفرنسيين و الأسرى الاسبان و أرسلت للتو الرسالة التالية للقائد "حدو" مع رقاص خاص :
"بوصالح في 17 ماي 1926"
من الدكتور كود الى القائد حدو :
كما كان متفقا عليه، فاننا نتوجه اليكم أنتم لاخطاركم بملاحظاتنا حول الأسرى. هذه الملاحظات التي تقدمها البعثة الطبية الفرنسية التي أتت للريف طبقا للالتزامات التي أخذتها البعثة الريفية.
و لهذا أثير انتباهكم بصفة خاصة الى المسؤولية التي تتحملونها باتخاذ مثل هذا الاجراء و الذي يمكنه أن يؤدي الى عدة وفيات وسط الأسرى. و انكم تتحملون هذه المسؤولية و أنتم على علم تام زيادة على معرفتكم بالنتائج المحتملة.
و انني أحتج بكل قوة ضد هذا القرار كما أكون ممتنا لكم في أن تحثوا الأمير لاعطاء أوامر تجعل حدا لهذه الوضعية في أسرع وقت. مع تحياتي. الدكتور "م. كود".
(...)
التحق بنا عبد القادر التازي و أخويه الاثنين و ترجوا أن نبقيهم معنا. و بما أن علاقاتهم مع السلطات الريفية تنقصها الثقة على ما يبدو فاننا لم نحبذ مصاحبتهم لنا حيث يمكنها أن تكون ذات أثر سياسي سيء الا اذا كان بموافقة المخزن. و قد أرسل "السي محمد" أخو "عبد الكريم" رسالة يرخص لهم بالبقاء معنا. و على الرغم من أننا لم نكن نعط لحكايات التازي الا ثقة محدودة بسبب عدم الاستقرار الذهني للشخص، فاننا أخذنا عنه معلومات جد هامة عن الشخصيات الريفية و التي أصبحت مفيدة  فيما بعد.
18 ماي
الوضعية صعبة. مجرى "وادي غيس" الذي يستعمل كطريق امتلأ بالرجال و النساء و الأطفال الذين يفرون خوفا من التقدم الاسباني و يصحبون معهم قطعانهم. انهم ينظرون الينا بنظرات غير ودية و لكن الحراس بقوا على تصرفهم اللائق معنا و مع الأسرى.
(...)
20 ماي
(...)  تناولنا العشاء عند "حدو". و بعد ذلك تذاكرنا مطولا حول الوضعية العامة التي تبدو مقلقة. أما التقدم الاسباني فقد توقف مؤقتا على ما يظهر بينما القوات الفرنسية تتقدم شرقا و جنوبا. و قد اجتمع مجلس هام البارحة و آخر اليوم.
21 ماي
تبدو الوضعية  أكثر فأكثر توثرا . فحركة "بني يطفت" التي تشكلت بالأمس صباحا و انطلقت بالمساء عادت هذا الصباح بدون رغبة في الذهاب الى المعركة. في الساعة 16 ناداني "حدو" فوجدت عنده "أزرقان" و "الشدى" و "بوجيبة". أخذنا الشاي و بعد التحيات و المجاملات المعهودة أخبرني "حدو" بالوضعية. و الريشة بيده فقد خط لي رسما سريعا للريف ليريني التهديد الحاصل. التقدم الاسباني طوال البحر يشكل فك الكماشة بينما يتشكل الفرع الآخر من التقدم الفرنسي نحو "تاركيست".
تقهقر "بنو ورياغل" و لم يبق لهم من منجاة الا في اتجاه الغرب بالذهاب الى "غمارة" و بلاد "جبالة".
و لقد تقرر الانسحاب. و لكن بما أنه لم يرد أن يجرنا معه الى مغامرة لن يستطيع تحمل مسؤولياته اتجاهنا فقد طلب منا أن نذهب مع باقي أعضاء البعثة للالتحاق بالخطوط الفرنسية اذا ما استطعنا ذلك.
(...)
و قد حاولت بعد ذلك أن أوضح لهم الأخطار الناجمة بالنسبة لهم عن الانسحاب اتجاه الغرب في بلاد ليست بلادهم و حيث سيصبحون في يوم ما ضيوفا غير مرغوب فيهم و سيتخلص منهم آجلا أو عاجلا و بأية وسيلة. و قد مجدت لهم المروءة و السخاء الفرنسي و الرغبة الخالصة لسلام حقيقي و الذي يقدم لهم المقيم العام دائما الدلائل القاطعة على ذلك. كما كنت أحثهم بشدة على تفويض مصيرهم لمروءة السيد "ستيغ" . فكان "حدو" يناقش بينما كان "أزرقان" مكتئبا. و لما خرجت من الاجتماع وجدت "باران Parent  " الذي استدعي من طرف "السي عبد السلام" عم "عبد الكريم" و الذي كانت له معه مناقشة في نفس المعنى.
و في منتصف الليل أيقظنا أحد خدام "حدو" طالبا منا المجيئ فورا عنده. و لما ذهبنا قال لنا "حدو" بأنه فكر في الحديث الذي أجريناه في النهار و ناقشه مع الأمير و طلب منا هل من الممكن أن يحمل واحدا منا رسالة الى "ستيغ" من "عبد الكريم" يعلن فيها عن رغبته في السلام و الاستسلام. و تشاورنا فيما بيننا و قررنا أن "باران" هو الشخص المناسب أكثر ليتكلف بهذه المهمة الغير طبية لأنه ليس بطبيب.
(...)
أعطيت ل"باران" رسالة الى المقيم العام بينما أعطاه "حدو" رسائل الى كل من المقيم العام و المندوب السامي الاسباني.
(...)
23 ماي
و صول الأسرى الاسبان الأصحاء القادمين من "بوصالح" و الجزائريين الفرنسيين القادمين من "بوهم". عند الزوال وصل القائد العربي و حكى لنا عن أخبار "باران" الذي سافر بالطائرة. في الساعة 16 طلب منا "حدو" المجيئ لتناول الشاي مع "أزرقان" و "بوجبار" و القائد "علوش" مضيفا أن "عبد الكريم" سيأتي في المساء لتناول العشاء. و خلال المذاكرة رن جرس التيلفون. لقد هوجمت "تاركيست" من طرف الأنصار الفرنسيين (Partisans ) مسنودين بقوات "الكوم".
(...)
اتخذ القرار بالانسحاب اتجاه الغرب مع أخذ الأسرى و لم يخف عني "حدو" أنهم في انسحابهم تخلوا عن كل مؤنهم و طلب مني أن يحمل كل واحد منا أقصى ما يمكن من الزاد.
(...)
في الساعة 22 أستدعيت مرة أخرى. و طلب منا "أزرقان" اذا كان بالامكان أن أكتب الى الجنرال الفرنسي كي يوقف تقدمه لأنهم كانوا يخشون هجوما في الغد، فأجبته بالنفي لأن القوات المسلحة لا يمكنها أن تتوقف الا بأمر من القيادة العليا. و طلبت منهم من جديد أن يستسلموا للفرنسيين فترددوا و أكدوا لي أنهم لا يفعلون ذلك خشية أن يتم تقديمهم للاسبان.
(...)
24 ماي
(...) في العاشرة مكالمة هاتفية من "حدو" يخبرني بِأن "عبد الكريم" قام بالليل صحبة 200 مقاتل بمحاولة هجوم مضاد على الفرنسيين الذي يبدو أنهم أوقفوا تقدمهم الآن. فقلت بالحاح مرة أخرى أنه لا يجب اعطاء أمر المغادرة الا في أقصى ظرف و اذا لم يكن هناك امكانية لحل مقبول.
في جهة "تاركيست" سمعنا طول النهار الأصوات المرعبة للقصف و لقد مرت طائرة اسبانية هذا الصباح و قصفتنا.
25 ماي
على الساعة الخامسة أيقضني حاجب قائلا بأن القائد "حدو" يريد مكالمتي باستعجال في التيلفون. و لما ذهبت رجاني النزول فورا الى مقر القيادة. توجهت في الحال فوجدت "حدو" و "أزرقان" و "بنجبار" و القائد "علوش". ناولني "حدو" رسالة قائلا أن القبطان "شميدت Schmidt" كتب من "ترجيست" طالبا منا الذهاب اليه للتباحث. فهل أذهب ؟ و كانت الرسالة مصممة كالتالي :
التحيات المعهودة
"يقدم القبطان "شميدت" الأمان (3) للقائد "حدو" و يذكره بالعلاقات الطيبة التي كانت بينهم في "تاوريرت" كما يأمل في أن يعي بأنه من مصلحة الجميع القيام بسلام جيد"
 - نعم قلت ل"حدو"، اذا أراد الفرنسيون أن تذهب اليهم فيجب أن تذهب،
- في هذه الحال يجب أن تأتي معي أجاب "حدو".
نبهته بأن أول شيء سيطلبه الفرنسيون هو تسليم كل الأسرى و قلت : هل أنتم مصممون على تسليمهم ؟ فاذا كان ردكم بالايجاب سيأتي معك.
فأجاب "حدو" : لقد أعطاني الأمير مطلق السلطات (ورقة بيضاء) فوافق "أزرقان" و "بوجبار". حينئذ اتفقنا و أرسلنا الرسالة الآتية الى القطبان "شميدت" :
" ان القائد "حدو" يشكر القبطان "شميدت" على رسالته ليوم 24 ماي. و انه سيكون سعيدا جدا لاعادة ربط العلاقات الطيبة التي أشار اليها و ذلك في مصلحة الجميع.
و سيتقدم للخطوط الفرنسية يومه 25 ماي حوالي الساعة 13 على طريق السيارة في اتجاه "ترجيست". و انه يريد أن يصحبه الدكتور "كود" رئيس البعثة الطبية الفرنسية الموجودة حاليا ب"توفست".
(...)
---------------------------------------------------
(3) (بالفرنسية   ( L'aman
أوصلنا القبطان الى المعسكر الفرنسي حيث قدمنا للجنرال "ايبوس Ybos " فأخبرته بالوضع : الريفيون أوهنت عزيمتهم بسبب التقدم الفرنسي الحاصل على "ترجيست" و استسلام بني "ورياغل" و هم مستعدون لتسليم الأسرى. و "عبد الكريم"  و طاقمه لا يطلبون سوى الاستسلام للفرنسيين شرط أن لا يسلموا للاسبان.
و بعد ذلك استقبلنا الكولونيل "كوراب Corab " . و قد أراد أن يحتفظ ب"حدو" و يرسل على التو "الكوم" لتسلم الأسرى. فأثرت انتباهه الى المساوئ التي يمكن أن تنتج عن ذلك بالنسبة للأسرى أولا ثم بالنسبة للوضعية العامة و ذلك جراء اجراء مباغث و مبكر في الوقت الذي وصلت فيه الأمور الى نضجها و أجلها. فاتفقنا على أن أعود مع "حدو" الى "توفيست".(...)
وافق المجلس الذي استشاره "حدو" على تسليم الأسرى و بقي انتظار توقيع "عبد الكريم" الذي يوجد "بسنادا Snada " على بعد 10 كيلومترات تقريبا.(...)
الساعة الواحدة صباحا (لا شيء) . فبقيت أعد الدقائق لأنني كنت خائفا من أن يحاول "الكوم" و الأنصار أن يندفعوا اتجاهنا.و بما أنني أعرف أن ممر جبل "توفيست" محروس من طرف 200 مقاتل ريفي فقد أدركت قوة "البارود" الذي سينفجر ليحطم هذا المستوى الذي وصلت اليه الوضعية و الذي بني بصبر و أناة.
و أخيرا و على الساعة الثانية صباحا وصلت الأوامر. فقال لي "حدو" و هو متأثر شيئا ما : "انني أسلمك الأسرى فهم لك" "اننا نسلمهم للسيد "ستيغ" ". و في مجموعات منفصلة و بانتظام أخذنا الطريق الى "ترجيست" : الفرنسيون أولا، الجزائريون و السينيغاليون بعدهم و أخيرا الاسبان. و في الساعة السادسة رأينا فرسان "الكوم" يتقدمون و معهم القبطان "شميدت" و القائد المذبوح.
27 ماي
أيقظني "حدو" باكرا ليخبرني بأن "عبد الكريم" و عائلته قد مروا الى الخطوط الفرنسية في الليلة الماضية و سيتبعه الطاقم المقرب له.
الوثيقة الثانية في تقرير
الدكتور كود رئيس البعثة الطبية للريف
تم عمل البعثة تحت ثلاثة أشكال :
  1/ دور طبي اتجاه الأسرى
  2/ دور طبي اتجاه سكان الريف
  3/ دور سياسي
I- الدور الطبي اتجاه الأسرى
أ - الأسرى الفرنسيون :
عند وصولنا لم تكن الحالة الصحية للأسرى الفرنسيين ينقصها شيء. فمنذ زيارة "مونتاني Montagne" الذي قوى معنوياتهم و منذ بعثة التموين للسيد "باران" التي كان لها الوقع المعنوي و البدني الحسن فان حالة الفرقة كانت جيدة. كما أن عزلهم حماهم من الآفات المعدية و "التيفوس" و الزكام التي تفشت في المجموعات الأخرى.
ب- الأسرى الجزائريون و السينيغاليون :
كان الأسرى الجزائريون و السينيغاليون في حالة بدنية تقل كثيرا عن حالة الفرنسيين. فلم تكن تغذيتهم مماثلة للفرنسيين، و كانت الأشغال التي يقومون بها تسمح لهم براحة أقل. و قد نال منهم "التيفوس" بسهولة أكثر سيما و أنهم اختلطوا بالساكنة  الريفية التي كانت مصابة. و قد بلغت الوفيات ب"التيفوس وسطهم 23 حالة. أما السنيغاليون الذين ينتمون لسلالة عرقية هشة فقد كانوا أشد عرضة للاصابات الرئوية.
ج- الأسرى الاسبان :
كان الاسرى الاسبان ينقسمون الى مجموعتين : مجموعة "سيدي عبد الله بن يوسف" و مجموعة "بوصلاح" التي كانت أكثر عددا، فأسرى "سيدي عبد الله"، كانوا يعيشون بمقربة من منزل "عبد الكريم" و تقريبا تحت بصره. فكانت لهم معاملة لطيفة.(...). و بالعكس فأسرى الاسبان ب"بوصالح" عوملوا بقسوة بتحريض من القائد "حموش" رئيس معسكر الأسرى. فيتوجب طلب تسليم هذا الرجل و كذلك العريف "عمار" الذي اتسمت معاملته للأسرى بقسوة مثيرة.
II- الدور الطبي اتجاه سكان الريف
نظرا للمدة القصيرة للبعثة و لظروف الحرب الغير مواتية للعمل، فان الدور الطبي اتجاه السكان الريفيين لم يكن ممكنا انتشاره.
(...)
أما المرضى فعلى العكس لا يتمنون الا المجيء عندنا و يظهرون مودة و ثقة مؤثرة اتجاه الأطباء الفرنسيين. فبدون سك سيتدفق هؤلاء المرضى اذا ما أنشئت تنظيمات طبية في هذا البلد.(...)
III- الدور السياسي
نشأ العمل السياسي للبعثة من الظروف كما أن هذه الأخيرة هي التي شجعت هذا العمل.
فبعد الحيطة و الريب الذي أظهره لنا القادة الريفيون في الأيام الأولى، تلتهما تدريجيا الثقة التي أصبحت تامة لما أخذت الظروف منحى حاسما. فالرأي العام الذي أمل بالسلم ابان مؤتمر وجدة و رأى بدون حماس عودة الحرب، فقد طفى سيله على القادة الريفيين الذين تعبوا بدورهم من المعارك اليومية و القلق و الليالي البيضاء، فأصبحوا مهيئين بالطبع للتأثر بأقوال صارمة و حكيمة تقال لهم بهدوء و صراحة.
و قد اقتصر دورنا على أن نردد لهم بصبر و مطولا : "ان فرنسا عظيمة و كريمة. انها لا تريد الحرب لتحطيمكم. فوضوا أمركم لها. لا تتبعوا الحلول و المحاولات اليائسة و بدون مخرج و التي
لا تعطيكم الا الخراب و الاباذة".  
و في هذه المهمة اليومية للاقناع ساعدنا بقوة اسمان حتى نصل الى النتيجة النهائية. اسم السيد "ستيغ M. Steeg " الذي كان بالنسبة للقادة الريفيين المغمورين له بثقة و احترام، رمزا للكرم و الاستقامة.
و الاسم الثاني هو السيد" كابرييالي M.Gabrielli"  لقد كان "كابريالي " هو رئيس البعثة الأولى و هو الذي أخبرنا بالوضع الحقيقي في الريف. و كانت وصاياه الثمينة هي التي سمحت لنا بالعيش دون صدمات في وسط صعب.
الوثيقة الثالثة: تهنئة الفيلق 37
يقدم كتاب مصلحة الصحة في المستعمرات السابق ذكره في صفحتي 357 و 358 هذه التهنئة التي نترجمها في ما يلي:
- تقديم المؤلف:" في 4 دجنبر 1923 قدم وزير الحرب والمعاشات تهانئه مع نشرها في الجريدة الرسمية، لمصلحة الصحة بالمغرب وللفيلق 37 للطيران باضافة الحيثية التالية:
- التهنئة:" منذ 1921 وبالخصوص خلال العمليات الاخيرة المسماة "بقعة تازة"، فان مصلحة الصحة بالمغرب، قد نظمت، تحت ادارة الطبيب المفتش اوبرلي والمفتش الرئيسي من الدرجة الاولى كرال والفيلق 37 للطيران تحت قيادة الليوتنان كولونيل شوتان وباتفاق تام مع الطبيب الاول ابولارد(الطبيب الرئيسي لمقاطعة مكناس)، اجلاء الجرحى والمرضى من القوات العاملة مستعملين كوسيلة للنقل الطائرات الصحية.
هذا وان الاجلاء السريع للجرحى، والنقل المستعجل نحو المستشفيات الكبرى، والظروف الجيدة لنقاهتهم ونجاحها بنسب غير منتظرة، كل ذلك شكل النتائج الملموسة للتعاون الودي والذكي بين الفيلق 37 للطيران ومصلحة الصحة بالمغرب. كما جاء نتيجة لذلك الحماس القوي والايمان بهذه الوسائل العصرية اللذان يعمان كل العاملين من ضباط وطيارين وأطباء وصيادلة ونقالي الجرحى وممرضين وربابنة وميكانيكيين."
التوقيع: ماجينو
نماذج للطائرات الصحية
الأولى
 
 
 
 
الحديثة

المراجع

ahewar.org

التصانيف

أدب  مجتمع