حمل خطاب جلالة الملك في جامعة مؤتة العديد من المؤشرات والدلالات المهمة، موضحاً بكل شفافية التحديات الداخلية والخارجية التي تواجة الأردن اليوم، وكيفية التعامل معها. ومن أبرز تلك الدلالات تركيزه على أن حل المشكلات الداخلية بأيدينا، وليس بأيدي أي طرف آخر.
إن هذه الإشارة تنطوي على دلالة سياسية مهمة، تتأكد من خلالها ضرورة العمل الجماعي لحل تلك المشكلات. وقد ذكر الملك عبدالله في خطابه أبرز تلك التحديات، وعلى رأسها العنف المجتمعي، وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، والمشاكل الاقتصادية وبخاصة أزمة الطاقة والكهرباء وغيرها. وبالطبع، لا توجد حلول سحرية لهذه المشكلات، بالرغم من الضرورة الملحة للتعامل معها، وبالسرعة الممكنة.
لا يقل أهمية عن السرعة في حل تلك المشكلات، المنهجية التي تتم معالجتها بها. والمنهجية الوحيدة التي يمكن أن تقودنا إلى بر الأمان تتطلب العمل الجماعي، واتباع الأسلوب العلمي والشفافية. والعمل الجماعي يتطلب التناغم بين الرؤية الملكية ومؤسسات الدولة المختلفة، وبشكل خاص السلطات التنفيذية، والتشريعية، والقضائية على المستوى الرسمي، والقوى السياسية المختلفة، والمجتمع المدني، على المستوى غير الرسمي.
العمل الجماعي الرسمي يتطلب وضوح الرؤية والأهداف كخطوط عريضة مشتركة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، التي توجه عمل الطرفين، ليبقى الاختلاف على السياسات والبرامج والتفاصيل، والتي تتطلب بدورها توافقات ضرورية بين الطرفين. والمتابع للعلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية (خاصة مجلس النواب) يخرج بانطباع وكأن هناك عداء وعدواة بينهما منذ اليوم الأول لتشكيل الحكومة. صحيح أن هناك سياسات خلافية، وخاصة فيما يتعلق بتحرير السلع من الدعم الحكومي أو في الموازنة وغيرها من السياسات، وهذا شيء صحي وطبيعي. ولكن ما هو غير طبيعي عدم قدرة المجلس النيابي على العمل الجماعي، وبخاصة من خلال الكتل النيابية التي يبدو أنها قد تلاشت على أرض الواقع، ولم يعد لها دور كبير في تنظيم عمل السادة والسيدات النواب، ولاسيما فيما يتعلق بالموقف أو المواقف من هذه القرارات المهمة.
إن حل المشكلات الاقتصادية لا يقع على كاهل الحكومة فقط، علماً أن العبء الأكبر يقع عليها؛ بل الحل مسؤولية مجلس النواب أيضاً. فإيجاد الحلول يتطلب تفاهمات مشتركة بين الطرفين، وإيجاد أرضية مشتركة للمصلحة العامة، وعدم الاكتفاء بالمعارضة فقط. وحتى يتم ذلك، لا بد أن تكون الحكومة واضحة وشفافة في ما تطرحه للمجلس، وعلى الأخير أن يتحلى بالواقعية السياسية، وأن يدخل في مقايضات مهمة تخدم المصلحة العامة، حسب الظروف وضمن الإمكانات المُتاحة.
حتى يتمكن البرلمان من القيام بذلك، لا بد من أن يعمل ضمن مجموعات أو كتل، تكون قادرة على بلورة مواقف جماعية تحد من العمل الفردي داخل البرلمان. والنظام الداخلي الحالي لمجلس النواب لا يخدم هذا الغرض، ولذلك فلا بد من تغييره ومأسسة عمل الكتل البرلمانية ضمن معايير وأسس تضبط العمل البرلماني وتسهله، وتخفف من النزاعات والعمل الفردي.
إن حالة الفوضى والتوتر التي تسود علاقة البرلمان بالحكومة لها انعكاسات سلبية خطيرة، ليس على العلاقة بين السلطتين فقط، وقدرتهما على اجتراح الحلول المنطقية والعملية للمشاكل التي تواجه الأردن، وإنما قد يكون الأهم والأخطر هو أثرها على العلاقة بين هذه المؤسسات والمواطنين.
إن الطريق لتجاوز مشكلاتنا لا بد أن تمر من خلال مأسسة العمل البرلماني، وتطوير أساليب العمل الجماعي داخله، حتى يكون أكثر نجاحا؛ ليس في علاقته مع الحكومة فقط، وإنما أيضاً في أداء دوره التشريعي والرقابي، والخروج من حالة الفوضى والارتباك السياسي التي تعيشها البلاد.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيفدد. موسى شتيوي. جريدة الغد