قبل عام تقريباً، شهدت مصر يوماً تاريخياً بفوز د. محمد مرسي، مرشح الإخوان المسلمين بانتخابات الرئاسة المصرية، بعد منافسة شديدة في جولة الإعادة مع أحمد شفيق الذي كان محسوباً على النظام السابق. صوّت لمرسي، بالإضافة إلى الإخوان المسلمين وأنصارهم، قوى الثورة من أحزاب وحركات سياسية مناهضة للنظام السابق. وصوت لأحمد شفيق من ارتبطت مصالحه ورؤيته بالنظام السابق، إضافة إلى الذين كانوا يخشون وصول الإخوان إلى السلطة.
كان نجاح مرسي برئاسة مصر في انتخابات حرة ونزيهة، حدثاً تاريخياً مهماً لمصر والإخوان. فبعد ثمانين عاماً من السعي إلى الوصول للسلطة، والمعاناة والقمع والعمل السري، أصبح الإخوان على رأس السلطة التنفيذية والتشريعية معاً.
تمر مصر اليوم باحتجاجات شعبية تاريخية غير مسبوقة، قد تؤدي إلى نهاية تجربة الإخوان القصيرة في الحكم. وقد جاءت هذه الاحتجاجات بعد صراع وتوتر بين قوى الثورة من جانب، والإخوان وحلفائهم في السلطة من التيارات السياسية الدينية من جانب آخر. والسؤال الذي يحتاج إلى إجابة عنه هو: لماذا تعثّر الإخوان في تجربة الحكم؟
الإجابة التي قدمها الإخوان ومرسي شخصياً في خطابه الأخير، هي أن فلول النظام السابق وغيرهم من الذين لم يشاركوا في السلطة، هم من يحرض الجماهير، بالإضافة إلى احتمال وجود مؤامرة خارجية عليهم، والتركة الثقيلة التي ورثها الرئيس مرسي عن النظام السابق.
وقد يكون هناك بعض الصحة لهذه الادعاءات، ولكن ذلك ليس كافياً لتفسير ما حدث.
بداية، لم ينجح مرسي بأصوات الإخوان المسلمين فقط، لا بل كانت هناك بعض القوى التي شاركت في الثورة ودعمته، ليس قناعة ببرنامج الإخوان، وإنما كرهاً بالنظام السابق، خوفاً من عودته من خلال نجاح أحمد شفيق.
ولكن مرسي لم يسع إلى إشراك هذه القوى في التركيبة السياسية الجديدة، بل إن الإخوان شعروا بأن لديهم تفويضاً من الناس من خلال صناديق الاقتراع، وأن عليهم أن يطبقوا برنامجهم بدون حاجة لأحد. وبدأت عملية السيطرة التدريجية على مقاليد الحكم في مصر. وعلى مدى عام كامل، دخل الحكم الجديد في صراع تدريجي، ليس فقط مع قوى الثورة، وإنما مع مراكز القوى في الدولة؛ كالقضاء وغيره. وهكذا، تراكمت العداوات للحكم الجديد.
المنطق الذي ركز فقط على شرعية صناديق الاقتراع لم يأخذ بالاعتبار أن مصر تمر بحالة انتقالية، تسعى من خلالها إلى تشكيل دولة جديدة تحقق مطالب وطموحات أعرض الفئات في المجتمع المصري، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا من خلال التوافق.
القضية الأهم والمرتبطة بما سبق، أن الإخوان ليست لديهم رؤية للدولة الحديثة، وأن التنظيم لديه تصوّر أكثر وضوحاً لكيفية إدارة المجتمع، استناداً إلى الرؤية الدينية. وجدير بالذكر أن الإخوان كتنظيم قبلوا بالديمقراطية في مرحلة متأخرة، وكان قبولهم أكثر للشكل وليس للمضمون؛ أي أنهم قبلوا الآلية الديمقراطية للوصول إلى السلطة، ولكنهم لم يقبلوا المنظومة الديمقراطية كاملة.
إن عدم تبني المنظومة الديمقراطية بتفاصيلها المختلفة (وإن كانت بنسخة مصرية ومرجعية إسلامية)، هو الذي وضع سياسة الإخوان في تصادم مع مبادئ وأهداف الثورة المصرية، والتي كانت تسعى إلى مجتمع تعددي من الناحية السياسية، يتسع لكل الفئات الشعبية، ويقوم على مبدأ المواطنة.
يجب التوقف عند التجربة المصرية طويلاً لاستخلاص العبر. ولكن من المؤكد أن الإخوان هم الفئة المعنية بتلك المراجعة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيفدد. موسى شتيوي.   جريدة الغد