أعترف جهراً اني لست من محبي كرة القدم ، أو "كرة الضجر" كما أحب أن أسميها. وأعترف أني عانيت من ذلك كثيراً ، حيث كنت أحاول التملص كثيراً في سنوات طفولتي من ضرورة لعب كرة القدم ، ، اعترف اني وحينما كنت أُحاصر كي أوافق على اللعب كنت أختار أن أكون حارس مرمى ، كي أُرضي كسلي المُزمن بمراقبة فريقي الحارة وهم يتراكضون كالمجانين في أرجاء الملعب الترابي الذي خططناه للتو ، وترك الأهداف تعبر من جانبي المرمى الذي أحرسه دون أي إحساس بالمسؤولية.
وأعترف أني وحينما كبرت فوجئت بهذا الإقبال المجنون عند بعض أصدقائي في متابعة مباريات كرة القدم ، وكان عليّ أن أداري دهشتي من ذاك الصديق الذي مد يده في جيبه ، وتناول أكثر من حبة "فاليوم" استعداداً لمشاهدة مباراة سيبثها التلفزيون مع فريق هو من معجبيه. وحينما سألته عن سر هذا التوتر ، قال لي: إنه لا يحتمل مشاهدة فريقه يخسر.
وأعترف أني ومع تراكم هذا الجنون الجمعي حولي ، إزاء المباريات المحلية والعربية وحتى العالمية ، ومعرفة معظم أصدقائي لتواريخ المباريات الدورية ، التي تظل مواعيدها تتكرر في كل عام ، أني بدأت أفكر في أن عزوفي عن الإعجاب بمباريات كرة القدم يعود لخطئ في تكويني النفسي.
وما زلت أذكر أنني وفي إحدى مباريات كأس العالم ، في منتصف الثمانينيات أتيح لي أن أنفرد في شقة في "أبو ظبي". وعلى الفور هيأت نفسي لمشاهدة المباراة الأولى بدون أي مؤثرات جانبية ، والمفاجأة أني شعرت وبعد مرور نصف ساعة من العقاب الذاتي في المشاهدة ، أن أعفي نفسي من هذه المشاهدة.
وكان يمكن لعدم انجذاب لكرة القدم على هذا النحو أن يمر بشكل عادي ، ذلك أن مثل عدم الاستمزاج هذا يحدث مع أناس كثر ، وهو على الأغلب من أبسط الحريات الذاتية. لكن المفاجأة كانت مفجعة بالنسبة لي حينما أخذت هذه اللعبة مساحة أكبر من حجمها حين وصل الشجار السياسي بين مصر والجزائر على اثر المباراة التي جرت بين فريقي البلدين إلى أعلى المستويات في الردح والشتم والقذف إلى درجة احتمال قطع العلاقة العروبية بين البلدين.
لكن الفاجعة الحقيقية بالنسبة لي ، كانت في انعتاق مارد الدهماء من قمقمه المكبوت والجمعي خلال المباراة الأخيرة بين فريقي الوحدات والفيصلي ، وعدد الجرحى الذين خلفتهم هذه المباراة ، واقتراب هذه الدهماء من خدش الوحدة الوطنية التي يظل يفاخر فيها هذا الوطن ويحدب عليها.
وإذا كان الأمر على هذا النحو لتذهب كرة القدم ، أو كرة الضجر إلى الجحيم. وسأظل فخوراً في عدم إعجابي بهذه اللعبة.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خليل قنديل جريدة الدستور