شكلت المبادرة الروسية اختراقاً في مسار الأزمة السورية، وأبعدت شبح الحرب الذي كان يخيم على سورية والمنطقة. بالنسبة للولايات المتحدة والعالم، كان استخدام السلاح الكيماوي في الصراع الدائر في سورية أمراً لا يمكن السكوت عنه، وخطاً أحمر تم تجاوزه. وعليه، كان لا بد من القيام بخطوة ما، فجاء التهديد بتوجيه ضربة عسكرية لسورية. لكن، ومنذ البداية، كان واضحاً أن الخيار العسكري لم يكن ضمن استراتيجية الولايات المتحدة في سورية، وبخاصة أن نتائج توجيه ضربة عسكرية قد تكون غير محسوبة، وتؤدي إلى تورّط الولايات المتحدة في صراع إقليمي تصعب السيطرة عليه، وهذا ما لا يريده الرئيس باراك أوباما.
كثيرون ممن كانوا يدقون طبول الحرب على سورية أصيبوا بخيبة أمل؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن الحرب وشيكة، وأنها السبيل الوحيد لإزاحة النظام السوري. ولكنهم لم يُدركوا أن اهتمام الولايات هو باستخدام السلاح الكيماوي أكثر منه بتغيير النظام في سورية، لاسيما أن البديل غير موثوق به بالنسبة لأميركا.
لقد وجّه الرئيس أوباما ثلاث رسائل مهمة في خطابه للأمة أول من أمس:
أولاها: أن الدولة التي تستخدم السلاح الكيماوي سوف تخسره، إما طوعاً أو قسراً. وهذا ليس لأن الولايات المتحدة ترغب في ذلك، بل لأنه حتى المناهضون لسياسة الولايات المتحدة، وضمنهم روسيا، يوافقون على عقاب يناسب الجريمة المرتكبة، حتى لو كان مرتكب الجريمة حليفاً. وهذه رسالة ضمنية لإيران وكوريا الشمالية.
إن الرئيس أوباما لا يستطيع أن يرفض عرضاً من روسيا وإيران بإقناع النظام السوري بالتخلّي عن أسلحته الكيماوية وتسليمها للأمم المتحدة.
الرسالة الثانية، هي أن استخدام السلاح الكيماوي مخالفة للقانون الدولي، وليس للقانون الأميركي، وأن على المجتمع الدولي مواجهة هذه المشكلة بشكل جماعي وموحّد.
الكثير من المحللين يعتقدون أن روسيا قدّمت هذه المبادرة لإنقاذ بشار الأسد، ولكنني أعتقد أن روسيا ليست معنية بالأسد، قدر اهتمامها بالتأسيس لعلاقة على أسس جديدة مع الولايات المتحدة كشريك، وأن تتخلص من إرث الاتحاد السوفييتي. وقد وقفت روسيا بوجه الولايات المتحدة ليس لمناكفتها، وإنما لوضع معايير جديدة للعلاقة بينهما، ونجحت نجاحاً باهراً حتى الآن. فهي لم تسمح بعمل عسكري خارج الأمم المتحدة وبدون مبرر كافٍ، ولكنها في الوقت نفسه لم تتسامح مع حلفائها باستخدام الأسلحة المحظورة كالسلاح الكيماوي، وهذا النهج جديد في السياسة الروسية.
أما الرسالة الأخيرة التي وجهها أوباما، فهي أنه إذا لم ينجح الخيار السياسي في التخلص من الأسلحة الكيماوية، فإن الخيار العسكري ما يزال على الطاولة، وأنه سيكون الخيار الأخير وليس الأول، ولكنه قد يحظى بدعم أكبر حينئذ.
وبذلك، يكون أوباما قد حفظ ماء وجهه، وتجنب ضربة عسكرية ستكون لها نتائج كارثية. ومن الضروري الحصول على تفويض بالضربة العسكرية حتى يبقى خيار اللجوء إلى مثل هذه الضربة قائماً. إن المبادرة الروسية قد تشكّل فرصة حقيقية للمجتمع الدولي، ليس فقط لحل مشكلة الأسلحة الكيماوية في سورية، بل لتحمل المسؤولية الأخلاقية، والعمل معاً لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، يمهد لرحيل الأسد، والمساهمة في تحول سورية إلى دولة ديمقراطية.
لقد واجه منح أوباما جائزة نوبل للسلام نقداً شديداً، لأنه لم يكن قد حقق إنجازاً في حينها، ولكنها كانت سُلفة. فعلى أوباما أن يحقق إنجازاً يستحق هذه الجائزة، ولعل الفرصة متاحة له الآن.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيفدد. موسى شتيوي. جريدة الغد