ازدياد العنف الجامعي وحدته في الفترة الماضية، واهتمام جلالة الملك بضرورة معالجة المشكلة جذرياً، أعادا وضع هذه الظاهرة المقلقة على طاولة سياسات الحكومة والمؤسسات ذات العلاقة، كما لدى المؤسسات الإعلامية.
إن مظاهر العنف التي شهدناها في الشهور والأسابيع الماضية ليست جديدة. ومن باب التذكير، فقد شهد العامان 2009 و2010 عشرات المشاجرات في الجامعات الأردنية، وأكثر من ألف مشاجرة جماعية خارج أسوار الجامعات. وفي تلك الفترة، تمّ تشكيل اللجان، وأجريت دراسات، وعُقدت مؤتمرات، وكتبت مقالات كثيرة حول الموضوع. والنتيجة أنه لم يتولد عن كل هذا المخاض شيء يُذكر، باستثناء استجابة بعض المؤسسات، وبخاصة الأمنية، لتحدي العنف المجتمعي من خلال تبني بعض التوصيات الخاصة بالمعالجة الأمنية.
لقد تراجعت حدة العنف المجتمعي والجامعي في زمن الحراك السياسي، وتم التعبير عن كثير من المظالم المولدة للعنف المجتمعي بأطر وأشكال سياسية؛ تجلت في المطالب الاقتصادية التي عبر عنها الحراك بأشكاله وأطيافة المختلفة. ومع بدء الحراك السياسي وتواري العنف المجتمعي، توارت اهتمامات الحكومات المتعاقبة، ولم يعد هناك اهتمام رسمي يُذكر بهذه الظاهرة.
وها هو المشهد يكرر نفسه، ولكن نشهد الآن دورة معاكسة للعنف المجتمعي والجامعي. ولعل التباطؤ في استكمال استحقاقات الإصلاح السياسي يكون سبباً لهذا العنف المتجدد. والآن، تعقد اللقاءات والحوارات المجتمعية والإعلامية حول الموضوع، وكأن التاريخ يُعيد نفسه مرة أخرى.
لا أريد أن أكتب عن أسباب هذه الظاهرة، لأنها أشبعت تحليلاً، وهي بين يدي الحكومة والمؤسسات ذات العلاقة. كما لا أريد أن أكتب عن التوصيات، لأنها موجودة. ولكنني أريد أن أكتب عن المعالجة المؤسسية لهذه المشكلة التي تميزت في السابق، وتتميز الآن، بردات الفعل والمعالجات الجزئية، في ظل غياب رؤية مؤسسية متكاملة لمعالجتها. وهذا يؤشر إلى فشل مؤسسي ذريع في الاستجابة للتحديات المختلفة التي يواجهها المجتمع الأردني، كأي مجتمع آخر، بسبب التغيرات الكبرى التي يعيشها.
لم يكن لجلالة الملك أن يتدخل ويقود الجهود لمعالجة هذه المشكلة لو أن الحكومة والجهات المعنية تقوم بدورها وتتحمل مسؤولياتها تجاه الدولة والمجتمع في معالجة هذه الظاهرة الخطيرة. لقد قرع جلالة الملك جرس الإنذار بشأن هذا الموضوع من أجل الحفاظ على المؤسسات الوطنية، وبخاصة الجامعات. وآمل أن لا يقتصر اهتمام الجهات المسؤولة وحرصها على معالجة هذه المشكلة على الجانب الإعلامي، في سياق الاستعراض والعلاقات العامة. إن المطلوب الآن، وبالسرعة الممكنة، هو الانتقال إلى المعالجة المؤسسية المتكاملة، ولاسيما في الجامعات. 
كانت الجامعة الأردنية أقرت توصيات مهمة جداً مبنية على الدراسات التي أعدت لهذا  الغرض، وهي كفيلة باجتثات الظاهرة من جذورها. وحتى لا نعيد اختراع العجلة من جديد، فإنني أعتقد أن الخطوة العملية التي يجب اتخاذها الآن، هي أن تدعو وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى مؤتمر لكل رؤساء الجامعات الأردنية العامة والخاصة لمناقشة تلك التوصيات وتعديلها، وإقرارها، وتبني وثيقة سياسات موجهة لاجتثات هذه الظاهرة، مع تحديد آلية لتنفيذها ضمن سقف زمني محدد ووضع آليات المتابعة، لأن بعض الحلول المقترحة لا يمكن تنفيذها من قبل الجامعات، ويجب تبنيها على مستوى وزارة التعليم العالي.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيفدد. موسى شتيوي.   جريدة الغد