بعد أن ثبت فشل المبادرة العربية الأولى في وقف العنف والقمع من خلال المراقبين في سورية، قدمت الجامعة العربية مبادرة جديدة تقضي بتنازل الأسد عن السلطة لنائبه، والبدء في التحضير للمرحلة الانتقالية، وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
وقد وصف المحللون هذه المبادرة بأنها شبيهة بالمبادرة الخليجية التي تم تطبيقها في اليمن أخيراً، حيث تم التحضير للمرحلة الانتقالية، ورحيل علي عبدالله صالح عن اليمن. لكن المبادرة نحو سورية لم تصمد أكثر من 24 ساعة، لأنه تم رفضها بشكل قاطع من قبل النظام، وبدأ التحضير لنقل الملف السوري إلى مجلس الأمن.
مبادرة الجامعة العربية بتنحي الأسد ولدت ميتة، وهي لا تحاكي النموذج اليمني بقدر ما تحاكي النموذج الليبي، وذلك للأسباب التالية:
أولاً: أن المبادرة الخليجية نحو اليمن تمّ التوصل إليها من خلال مفاوضات دامت لفترة طويلة بين مجلس التعاون الخليجي وأطراف المعادلة في اليمن، وبخاصة الرئيس اليمني وأحزاب المعارضة. وبالرغم من المراوغات المستمرة من جانب الرئيس اليمني آنذاك، إلا أنه وافق على المبادرة، كما وافقت عليها الأحزاب المعارضة وبقي الخلاف على التنفيذ الذي تم أخيراً. وهذا ما لم يتوافر في الحالة السورية، ما جعلها أقرب للإملاء منها للتوافق مع المعارضة والنظام على المرحلة الانتقالية.
ثايناً: أن المبادرة الخليجية تمت من خلال وضع ثقل دول مجلس التعاون خلفها، بما تمثله من وزن سياسي واقتصادي لليمن، وجاءت بدعم وتنسيق وضمانة أوروبية وأميركية. وهذا ما لم يتم في الحالة السورية، إذ إن العلاقات شبه مقطوعة بين أغلب الفاعلين في الجامعة العربية وسورية، وكذلك الحال بالنسبة للدول الأوروبية وأميركا، ما جعل المبادرة تبدو عدائية للنظام السوري، فكان رفضه لها محتوماً.ثالثاً: أن الثورة اليمنية تميزت بدرجة عالية من السلمية، ولم تلجأ إلى حمل السلاح بالرغم من لجوء السلطة لاستخدام العنف وقتل المتظاهرين العزل. وعليه، لم يكن القمع شاملاً بينما في الحالة السورية فقد جابه النظام التظاهرات السلمية بالقمع والعنف، ما أدى لاحقاً إلى لجوء بعض أطراف المعارضة للعنف المضاد مع تنامي حركة المنشقين عن الجيش السوري. هذا الحجم من العنف الموجه ضد المدنيين يجعل من الصعوبة بمكان جلوس الأطراف كافة إلى طاولة حوار.رابعاً: في الحالة اليمنية، لم يكن هناك تدخل مباشر من الدول المجاورة أو الفاعلة في المنطقة، وبخاصة فيما يتعلق بدعم المعارضة المسلحة. وعليه، كان البعد الخارجي يتمثل في الضغط السياسي المستمر على الرئيس لقبول الخطة والتنحي. أما في الحالة السورية، فيوجد هناك لاعبون دوليون وإقليميون كثر دخلوا على الملف السوري بقوة، سواء في دعم العمليات العسكرية ضد النظام أو في دعم تشكيل مجلس وطني سوري للمعارضة في الخارج.
خامساً: أن المعارضة اليمنية استطاعت أن تتوحد منذ البداية وتحدد موقعها ومطالبها التي لم تتراجع عنها طيلة فترة الأزمة اليمنية، وبقيت مدعومة بضغط شعبي شبابي غير مسبوق، ما أدى إلى إضعاف قدرة النظام على القمع وعدم تشتيت المعارضة. هذا ما لا يتوافر في الحالة السورية، فهناك انقسام بين معارضة الداخل والخارج، وهناك اختلاف في الرؤية والتوجهات لكل منهما.
إن الانقسام بين معارضة الداخل والخارج، وبخاصة حول التدخل الأجنبي، وعدم توحد المعارضة حتى في الداخل، يجعل من التوصل إلى حل يحاكي المعارضة اليمنية غير ممكن.
لذلك، فإن المبادرة العربية الأخيرة هي أقرب للنموذج الليبي في التعامل مع الأزمة، وقد تكون تمهيداً لنقل الملف السوري إلى الأمم المتحدة الذي قد يمهد لتدخل خارجي عسكري. لكن الطريق للتدخل الخارجي ليست معبدة، وتواجهها مشكلات وتحديات. وقد يترتب على ذلك تبعات خطيرة على سورية والمنطقة، ولاسيما الدول العربية المجاورة.
كان يمكن أن تتوافر فرصة للمبادرة العربية أكثر واقعية لو كان تم تطويرها بعناية، ومن خلال مجموعة اتصال تشارك فيها الجامعة العربية ودول كروسيا، وتركيا، وإيران، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة. لكن ولدت المبادرة ميتة، وفشلت الجامعة العربية في أن تأتي بحلول خلاقة تؤمن رحيل النظام الدكتاتوري، وتجنب الشعب السوري وشعوب المنطقة المزيد من الويلات، وبدلاً من ذلك كان وضع قطار الأزمة السورية على سكة التدخل الدولي.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيفدد. موسى شتيوي. جريدة الغد