إن
من يقرأ سيرة النبي المصطفى – عليه أزكى الصلاة و أتم التسليم - ، و يرى ما كان
عليه من هدي قويم و خلق نبيل ، و يرى الرحمة التي أودعها الله في قلبه تجاه أمته ،
يحبه حباً عظيماً ، و يتمنى لو يوفق إلى الاقتداء به في كل صغيرة و كبيرة . قال
تعالى : ﴿ فَبِما رَحمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ و لو كنتَ فَظّاً غَليظَ
القلبِ لانفَضّوا مِن حَوْلِكَ ..﴾.. { آل عمران : 159 } . يقول سيد قطب :
(( فهي رحمة الله التي نالته و نالتهم ، فجعلته – صلى الله عليه و سلم – رحيماً بهم
، ليناً معهم ، و لو كان فظاً غليظ القلب ما تألفت حوله القلوب ، و لا تجمعت حوله
المشاعر ، فالناس في حاجة إلى كنف رحيم ، و إلى رعاية فائقة ، و إلى بشاشة سمحة ، و
إلى ود يسعهم ، و حلم لا يضيق بجهلهم و ضعفهم و نقصهم .. في حاجة إلى قلب كبير
يعطيهم و لا يحتاج منهم إلى عطاء ، و يحمل همومهم و لا يعنيهم بهمه ، و يجدون عنده
دائماً الاهتمام و الرعاية و العطف و السماحة و الود و الرضاء .. و هكذا كان قلب
رسول الله – صلى الله عليه و سلم - ، و هكذا كانت حياته مع الناس ، ما غضب لنفسه قط
، و لا ضاق صدره بضعفهم البشري ، و لا احتجز لنفسه شيئاً من أعراض هذه الحياة ، بل
أعطاهم كل ما ملكت يداه في سماحة ندية ، و وسعهم حلمه و بره و عطفه و وده الكريم ،
و ما من واحد منهم عاشره أو رآه إلا امتلأ قلبه بحبه ، نتيجة لما أفاض عليه – صلى
الله عليه و سلم – من نفسه الكبيرة الرحيبة ، و كان هذا كله رحمة من الله به و
بأمته .. )) .
و
لكن من الملاحظ أن بعضاً من المسلمين يقومون بأفعال يقولون بأنهم يقتدون فيها
بالنبي – عليه و آله الصلاة و السلام - ، و يقولون بأنها سنة ، و لكن في حقيقة
الأمر هم ما يقومون بهذه الأفعال إلا لهوى أو رغبة في نفوسهم ، كالذي يرغب في
التعدد مثلاً ، و يقول أنه يقتدي في ذلك بالنبي – عليه و آله الصلاة و السلام - ،
فهو له أن يعدد إن اتقى الله في زوجاته و في بيوته كلها ، و لكن .. هل حقاً هو يريد
أن يعدد اقتداءً بالرسول – عليه و آله الصلاة و السلام - ، أم لحاجة و رغبة في نفسه
؟! ، ثم هل هو حريص كذلك على الاقتداء به – عليه و آله الصلاة و السلام – في حسن
معاشرته لزوجاته كحرصه على التعدد ؟!! .
أتاني
بالنصائح بعض ناس وقالوا أنت مقدام سياسـي
تزوج باثنتين
ولا تبالي فنحن أولو التجارب والمراس
فقلت لهم
معاذ الله إني أخاف من اعتلالي وارتكاسـي
فصاحوا سنة
المختار تُنسى وتُمحى أين أرباب الحماس ؟
فقلت أضعتم
سنناً عظاماً وبعض الواجبات بلا احتراس
لماذا سنة
التعداد كنتم لها تسعون في عزم وبـــاس
وشرع الله في
روحي وقلبي وسنة سيدي منها اقتباسي
إذا احتاج
الفتى لزواج أخرى فذاك له بلا أدنى التباس
ولكن الزواج
له شروط وعدل الزوج مشروط أساسي
و هناك من يقتدي
بالنبي – عليه و آله الصلاة و السلام – و لكن في بعض الجزئيات التي لا يتعدى أثرها
صاحبها ، كالاقتداء به – عليه و آله الصلاة و السلام – في الأمور المتعلقة باللباس
مثلاً ، و اللحية و الشعر و السواك و ما شابه ، فهذه الأمور لن يتأثر بها غيره إن
فعلها هو أو إن لم يفعلها ، و لكنه إن عطس و لم يضع شيئاً على فمه – كما كان يفعل
عليه و آله الصلاة و السلام - ، فسوف يتأذى و يتقزز منه الناس ، و كذلك إن كان فظاً
في معاملته ، فسينفر من معاملته الناس . فلماذا لا يقتدي بالنبي – عليه و آله
الصلاة و السلام – في مثل هذه الأمور كاقتدائه به في تلك الأمور ، ألأنها شاقة على
نفسه ، أما قضايا اللباس و اللحية و السواك .. فهي سهلة التطبيق ، أم ماذا يا ترى
هي الأسباب ؟!! .
أو
كالذي يتشدد في " المسبحة " و يقول أنها بدعة – بحسب فهمه - ، و لكنه في المقابل لا
يتحرى الدقة في مواعيده ، أو ربما يخلفها !! . و كذلك التي تحرص على الاقتداء
بالنبي – عليه و آله الصلاة و السلام – في صلاته و في صيامه ، و لكنها لا تتورع عن
الغيبة !! .
فلماذ هذه الانتقائية في الاقتداء ؟ فكل ما كان يفعله النبي – عليه و آله الصلاة و
السلام – طيب و حسن ، و يُخشى أن الاهتمام بمثل هذه الجزئيات التي ذكرت و إهمال
القضايا المتعلقة بالتعاملات و حقوق العباد ، أن يصد الناس أو أن يفتنهم عن دينهم ،
فالأمر يحتاج إلى إعادة نظر ، و إلى وقفة مع النفس .
اللهم يا واهب الإنسان أسباب الهدى ، و يا من بحمد العالمين تفردا ، كللنا بعنايتك
طول المدى ، و اجعل لنا الجنة موعدا ، نرافق فيها الحبيب محمدا ، و اسقنا بيده
الشريفة ماءً سلسبيلاً طيبا ... اللهم آمين ، و الحمد لله رب العالمين .