وسط هذا التنوير العالمي بالانسان وحقوقه ، ووسط هذه النقلة النوعية في الاتصال والتواصل ضمن ما أحدثته ثورة الصورة من وعي لدى الفرد البشري ، ووسط هذا السيل الهادر من التظاهر والاعتصامات التي أخذت تغزو عواصم الوطن العربي ، بات من الضروري على المفكر العربي أن ينهض من غفوته الحضارية التي طال أمدها ، وبات من الضروري أيضاً العودة الى مراجعة كل الاساسيات التي قامت على أساسها فكرة الدولة العربية.

فالمشاكل الاجتماعية التي يعيشها المواطن العربي ، تبدو بعيدة كل البعد عن منجزه الحضاري في صناعة دولته الحديثة. بمعنى أن المواطن العربي عموماً لم يتصهرج بعد في فكرة الدولة ، ولم ينخرط ككيان مدني في بنيان الدولة.

فما أسهل على المواطن العربي في أن يجب ويحذف كل المنجزات التي أسست لدولته ومرافقها الحضارية ، وأن يعود الى مرجعيات اجتماعية ما عاد العصر يحتملها أو يقبل بها كعملة قابلة للتداول.

فالعربي ما زال وعند أول شجار في الشارع أو في السوق ، أو في حافلة ، أو في مؤسسة تعليمية كالجامعة مثلاً ، يقوم بحرق كل سفنه الحضارية ، كي يعود الى مرجعية القبيلة ، كي يعتصم بها كحالة انقاذ وحماية ، من التداعيات الدموية لهذا الشجار أو ذاك. وفي هذا السياق ما زالت العطوات العشائرية والجلوات العائلية تبدو كصمام أمان وحيد لانقاذ المجتمع من التدهور.

والعربي بالرغم من التزامه باشتراطات قيام الدولة ، وتسديد حضوره فيها بالضرائب والاناشيد ، لا يتوانى في أي لحظة في التعامل مع اموال الدولة باعتبارها من الاموال "الداشرة" اقتصادياً ، والتي من الحلال نهبها،، ، والا ما معنى هذا الفساد الفاحش الذي تتربع فيه الدول العربية على قمته في الاحصائيات العالمية التي نقرأها كل يوم.

العربي في هذه الايام هو في أمس الحاجة الى انهاض مفكريه كي يُعاد النظر في المرجعيات الخانقة التي تكبل نهوضنا الحضاري في تدعيم قوى الدولة المعاصرة.

الدولة القادرة على أن تنجو من كل هذه العواصف المقبلة التي باتت تبشرنا بقدومها كل هذه العلامات الدولية الواضحة المآرب.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خليل قنديل   جريدة الدستور