لعل الأحداث الاخيرة في مدن الضفة الغربية والمواجهات بين مقاتلي حماس وشرطة سلطة رام الله فتحت الباب واسعا لقناعة ربما توارت مرحليا كانت تقول إن الانقسام الفلسطيني اصبح حقيقة سياسية وجغرافية, وأن كل طرف من طرفي السلطة رضي بما هو فيه, وأن مسألة الحوار نوع من الايجابية الإعلامية, لأن كل طرف على قناعة انه وصل الى حالة من التناقض مع الآخر الفلسطيني لا تمكنه من التعايش مع نقيضه سياسيا وأن يكونا معا وحدة فلسطينية محكومة بشروط اللعبة الديمقراطية.
والقضية ليست فقط في أحداث قلقيلية؛ فالمتابع لفضائية حماس يقرأ على الشريط الإخباري ويسمع في نشرات الاخبار ما هو من وجهة نظر حماس قمع واعتقالات واختطاف وتعذيب ومطاردة يقوم بها من تسميهم حماس "عصابات عباس". وذات الأمر تجده على فضائية سلطة رام الله التي تنشر ما ترى انه اعتقالات وتعذيب واختطاف يقوم بها من تسميهم رام الله "مليشيات حماس"، وآخر ما افرزته الأحداث الاخيرة وصف شرطة رام الله لكتائب القسام أنها خارجة على القانون, وقبل هذا اعتبرت حماس تنظيم فتح في غزة غير شرعي.
العبرة ليست في رصد الآراء الإعلامية لكلا الطرفين بل في ان الحالة وصلت الى مرحلة متقدمة من التناقض والعداء أصبحت معها جلسات الحوار شكلية, وربما لدى كل طرف قناعة بأن عليه ان لا يظهر سببا لفشل الحوار, لكن فشل الحوار سببه ان مسار العلاقات السلبي في تصاعد وأن ما يتم بناؤه من عداء على الارض ودم ومعتقلين اقوى من جلوس بعض القيادات على طاولات الحوار في مكاتب المخابرات المصرية.
الفكرة لم تعد في ان نجلس نحن العرب لننحاز في تصنيف المتسبب في كل حدث او أزمة, لأن تعدد الأزمات ودخول الانقسام مراحل مختلفة جعل هناك سجلا واسعا من الاحداث, لكن السؤال الجوهري "هل يمكن ان يتم منع تجذير الوضع الفلسطيني الحالي؟ وهل يمكن ان لا نصل الى مرحلة يصبح معها الانقسام هو الحقيقة الفلسطينية الكبرى وان نزيد من اعباء الشعب الفلسطيني في ان يتحول الى جزأين وتحت سلطتين مع وجود الحقيقة الكبرى وهي ان كلا السلطتين تحت الاحتلال وإجرامه وحصاره؟
إذا أصبح الانقسام هو الحل للتشاحن والمواجهات فإن هذا يعني اولا ان فكرة الدولة الفلسطينية الحقيقية سواء كانت عبر تفاوض او مقاومة قد اصبحت وهما, وأن مشروع الحل السياسي عبر التسوية معطل وكذلك مشروع المقاومة, لأن كل جزء من السلطة سيعمل على تعطيل المسار الذي يتبناه الجزء الآخر, فلا مقاومة تتم ولا تفاوض يصل الى حلول وكل هذا يخدم العدو الصهيوني.
أكبر الخسائر أن يكون دخول القضية الفلسطينية القرن الحادي والعشرين يحمل لها الحدث الأبرز وهو تشرذم سلطتين وهميتين, فلا غزة يمكنها ان تأكل لأن الاحتلال يمارس الحصار ولا الضفة دولة لأنها ايضا تحت الاحتلال, وحين تتهم حماس سلطة عباس بالخيانة والعمالة لإسرائيل او تتهم السلطة حماس بأنها خارجة على القانون وتنفذ اجندة خارجية فإن المحصلة ان كل طرف يخرج الآخر من الحظيرة الوطنية, فأي حوار او عمل مشترك بين طرفين يرى كل واحد في الآخر عميلا او خائنا او تابعا للخارج؟
سنبقى ننظر الى هذا الانقسام من منظور خطره على القضية الفلسطينية لأن أي زاوية اخرى ستحمل مقايس وأحكاما قد تزيد الصراع ولا ترفضه. وما دام العدو الصهيوني طرفا في أي معادلة فلسطينية داخلية او فلسطينية مع أي طرف عربي فإن الحسابات يجب ان تختلف لأن الخسارة ليست مكسبا لأحد الا للمحتل حتى لو كان هناك مكاسب وهمية اعتقد البعض انه حصل عليها, فكل لحظة اضافية من الانقسام انتصار صهيوني جديد وكل شخص يموت في صراع الاخوة يعني فقدان مشروع شهيد ضد الاحتلال.

المراجع

almadenahnews.com

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة   العلوم الاجتماعية