لقد كان التركيز في أولويات الحكومات الأردنية في السنوات العشر الماضية على عملية الإصلاح الاقتصادي، وقد حقق الاقتصاد الأردني نمواً جيداً في السنوات الخمس الأولى. وانطلقت المشاريع الاقتصادية الكبرى وتضاعفت الاستثمارات الأجنبية. ولكن النجاحات الاقتصادية تلك بدأت بالتلاشي على وقع الأزمة الاقتصادية العالمية، وتبين أن أغلب المشاريع الكبرى والاستثمارات الأردنية لم تحقق الأهداف المعلنة لها لأسباب كثيرة أهمها عدم الشفافية وما شابها من شبهات فساد.
إن المشهد الاقتصادي اليوم يُدل على وجود مشاكل اقتصادية حقيقية؛ مثل: تردي الأحوال المعيشية، وتنامي الفجوة بين الشرائح الاقتصادية المختلفة. والأهم من ذلك هو التفاوت في مستويات التنمية بين المحافظات والأقاليم المختلفة. لم يعد سراً أن مستوى التنمية في عدد من المحافظات، وبخاصة محافظات الجنوب متدنٍ مقارنةً  بالمحافظات الأخرى، وأنها تفتقر إلى إبطاء المعوقات الاقتصادية التي توفر للناس مستوى معيشة لائقاً، وتحد من الهجرة إلى المناطق الأخرى. إن نتيجة الفشل التنموي والاقتصادي ليست اقتصادية بحتة، بل هي سياسية بامتياز. فعدم وجود خطة اقتصادية تحدد أولويات الاستثمار نحو هدف معين واحد وبطريقة معينة وعدم الاهتمام بعدد من المناطق كلها قرارات سياسية.
   إن عدم إيلاء الإصلاح السياسي الأهمية التي يستحقها كان قراراً غير صائب، لأنه تبين لاحقاً أن كثيراً من القرارات والمشاريع الاقتصادية نفذت بدون رؤية وطنية تنموية وفي غياب الشفافية، فلم تحقق أهدافها الاقتصادية المرجوة، ولم تحرز تقدماً في عملية الإصلاح السياسي.
أما الآن وورشة الإصلاح السياسي تتصدر الأولويات في اجتذاب الإصلاح، فالخشية أن لا يتم الاهتمام بالشأن الاقتصادي؛ إذ تشير المعطيات العلمية الى أن الهموم تتركز في مرحلة التحول السياسي.
  المعيشة والفقر والبطالة تشكل أولويات الشعب الأردني، وبخاصة في بعض المناطق التي تعاني من ضعف مستويات التنمية فيها كالجنوب. المطلوب الآن بلورة رؤية جذرية تنموية للنهوض بتلك المناطق أشبه ما تكون بخطة مارشال مصغرة على مستوى المحافظات أو إقليم معين لتهتم بالبنية التحتية والمشاريع التنموية للنهوض بقليل المناطق، وتحويلها إلى مناطق اقتصادية ديناميكية توفر فرص العمل والحياة الكريمة للمواطنين. إن الوصفات السابقة كالمشاريع الصغيرة على أهميتها لن تستطيع إحداث تلك النقلة النوعية المطلوبة.
إن الخوف كل الخوف، أنه إذا لم تزامن العمل على المسارين الاقتصادي والسياسي معاً، فستقوض المشاكل الاقتصادية جهود الإصلاح السياسي الذي يتصدر المرتبة الثانية في اجتماعات المواطنين.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيفدد. موسى شتيوي.   جريدة الغد