بعض القضايا تخرج عن إطارها العادي الى أفق ودلالات أوسع لأنها تحمل في طياتها أمورا كبيرة تستدعي تدخلا عاجلا وقويا من الجهات المسؤولة, ومن ذلك ما يتعرض له عمال وموظفون أردنيون في شركة البوتاس العربية التي اصبحت ذات ملكية وإدارة كندية, وربما تشعر الإدارة الاجنبية انها مدللة وأنه يمكنها فعل ما تشاء حتى في التعامل مع قرارات من القضاء الأردني.
الحكاية كما يرويها الأردنيون من العمال والموظفين تتعلق ببوليصة تأمين لكل موظف, وهذه البوليصة يتم دفع جزء منها للموظف اذا تعرض لحالة صحية تستحق, ويتم إقرار هذا من لجان متخصصة ومعنية, لكن ما حدث قبل بضعة أشهر ان عددا من العاملين استحقوا بموجب القانون وعمل اللجان وقرار قضائي جزءا من هذه البوليصة, لكن الشركة رفضت إعطاءهم حقوقهم ثم قايضتهم بين أخذ هذا الحق القانوني وبين البقاء في العمل فمن يأخذ حقه سيجد كتاب فصله جاهزا.
واليوم لدينا حالات مشابهة استمعت الى بعضها وتصل الى حوالي ستين حالة مهددة بالفصل وفقدان عملها من دون وجه حق اذا اخذت حقوقها القانونية من بوليصة التأمين, وهو حق مؤيد بقرار قضائي يفترض بإدارة البوتاس ان تحترمه, فالموظف إما ان يتنازل عن حقوقه لأنه لا يجد حماية وإما ان يعود الى بيته مفصولا لأنه ايضا بلا حماية وبلا وجود أي جهة تعطيه حقوقا كفلها القانون ومؤيدة بقرار قضائي.
وإذا كانت القضية بدأت بأربع حالات واليوم هنالك عشرات فالأمر مرشح دائما للتزايد لأن أي موظف قد يصاب بحالة مرضية تجعله مستحقا لهذه البوليصة او ما يستحقه منها خلال استمرار عمله, فإذا لم يجد موظفو البوتاس من يضمن تطبيق القانون ويحافظ على حقوقهم فإن الامر سيزداد سوءا ويبقى الموظف تحت رحمة الإدارة حتى وهي تضطره بل تجبره على ان يتنازل عن بعض حقوقه مقابل ان يبقى في عمله.
الخصخصة لا تعني ان نترك لكل صاحب عمل أجنبي ان يمارس ما يشاء, فكما انه مدلل ويحظى بالرعاية من المسؤولين فإن حقوق العاملين يجب ان تكون مصونة ومحفوظة وأن يشعر الموظف ان القانون يحميه وأنه ليس جزءا من المواد التي تم بيعها للمستثمر الأجنبي عند الخصخصة والبيع.
مطلوب من الحكومة ووزارة العمل ونقابات العمال ليس شن حروب على الإدارة الأجنبية بل مطالبتها وإلزامها بتطبيق القانون وتنفيذ أحكام القضاء الاردني, وان لا تشعر انها يمكن أن تهدد العامل بالفصل من دون ان تحميه الجهات المعنية بحماية الأردني من أي ظلم او تعسف, وأن لا يقع العامل ضحية لمقايضة بين اثنين من حقوقه فيتنازل عن احدهما ليأخذ الآخر لأن هذا نقيض لأي عرف او قانون, وإذا كانت الإدارة لا ترى ان من حق العامل المريض الحصول على ما يستحق من البوليصة فإنها تلجأ الى القضاء لا الى مقايضة العامل بالفصل بدلا من الحق.
الكثير من حالات الظلم وقعت على العمالة الاردنية نتيجة خصخصة الشركات الكبرى, وهنالك ضحايا من الاردنيين للخصخصة والاجبار الناعم على ترك العمل وحتى اموال الضمان الاجتماعي فهي من الضحايا لأن اجبار العامل على التقاعد المبكر عبر بعض الحوافز من اموال الضمان زاد نسبة التقاعد المبكر لشباب مازالوا قادرين على العمل لسنوات طويلة.
قضية العاملين في البوتاس سابقة خطيرة لأنها تتعلق بنهج يقايض العامل بين حقوقه لإجباره على التنازل عن بعضها ليضمن البعض الآخر, فإذا لم يجد الأردنيون حماية من حكومتهم فإن الثمن ليس على هؤلاء العمال فقط بل على كل الطبقة العاملة, وهي قضية قانونية فما أعطاه القانون للمستثمر فهو له وما اعطاه القانون للعاملين فهو لهم.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة