قبل أن يتم إنشاء إمارة شرق الأردن كانت الأرض الأردنية ساحة سياسية قوية في مواجهة الاستبداد، ومن لا يعرف التاريخ حتى من الكبار فعليه أن يقرأ توثيق تلك الثورات، التي قامت ضد الاستبداد والرجال الذين سقطوا في مواجهة أواخر الدولة التركية.
وعندما جاءت الثورة العربية تعامل الأردنيون عبر العشائر ورجالاتها معها على أنها مشروع عربي، واستمرت حركة القوى السياسية عبر المؤتمرات الشهيرة وكان من عناوينها الرئيسة: رفض المشروع الصهيوني ورفض بيع الأرض لليهود، ومقاومة النفوذ الانجليزي. أي كانت الأجندة واضحة في الحفاظ على هوية الأمة وهوية الدولة، حتى والأردن تحت الانتداب الانجليزي.
ولعل إحدى الخطوات الكبرى التي اتخذها الحسين رحمه الله تعالى في السنوات الأولى لحكمه كانت تعريب قيادة الجيش العربي، وكانت خطوة اعتبرها الأردنيون حفاظا على هوية الدولة، وكانت فهما متقدما من القيادة لإحدى البنى الأساسية في العلاقة بين الأردنيين وقيادتهم، وهي أن الحفاظ على هوية الدولة واستقلالها هو محور أساسي في هذه العلاقة الراسخة بين الهاشميين والأردنيين، وكلما مرت مرحلة صعبة كانت عقول الأردنيين باتجاه ما يجعل بوصلة الدولة واضحة في الحفاظ على هوية الدولة ومنع أي مخطط مهما كان مصدره ومهما كان اسمه الحقيقي أو الحركي.
وفي مرحلة مثل التي نعيش حيث يكثر اللغط، وتتعدد التحليلات حول القادم، ونسمع أقاويل عن خطوات ومسارات يمكن أن تكون استباقا لحل نهائي قد لا يأتي، فإن من المهم أن ندرك جميعا أن من يفكر في الخارج أو الداخل بأي مسار يكون ثمنه إعادة هيكلة البنى السياسية، وتمرير تصورات تسوقها جهات صهيونية وأميركية ولا ترفضها أطراف عربية في أن أعباء الحل النهائي ستكون على حساب شكل وهوية وبنية الدولة.
من يفكر بهذا ويعتقد أن الأمر قد يكون سهلا ولا يحتاج أكثر من بعض التسويق السياسي أو الإعلامي فإنه يخطئ، لأنه لا يعلم أن كلمة السر في علاقة الأردنيين بقيادتهم هي الاطمئنان من الأردنيين أن قيادتم حريصة على الدولة وهويتها، وأن هذه القيادة في المراحل الصعبة لم تقدم تنازلا يخل بالمعادلة الاردنية، والأردنيون لديهم حالة استشعار دقيقة لأي محاولة من أي طرف للمس بهذه المعادلة، ومن يمارس تسويقا أو محاولة التذاكي على الناس في تسمية بعض الأمور بأسمائها غير الحقيقية لتمرير ما يهدد شكل العلاقة وأصل الدولة قد يفاجأ بناس لا يعلمهم.
ما نقوله: إن الناس يدركون جيدا ما يريدون، وأنهم يعلمون أشكال الخطر الحقيقية، وأنهم قادرون في لحظات ومحطات أن يقفوا موقفا قد لا يتوقعه البعض في الحفاظ على هويتهم الوطنية والعربية في مواجهة مخطط أميركي أو سيناريوهات صهيونية أو تفاهمات هنا أو هناك في بعض العواصم، وأن مصدر قوة أي جهة سياسية رسمية أو شعبية أو أي مسؤول هو في الحفاظ على كلمة السر الأردنية، واطمئنان الأردنيين الى أن قيادتهم حريصة على هوية الدولة وتقف في مواجهة أي مخطط أو حل على حساب الأردن وأهله.
ومن لديه الحرص الحقيقي على الدولة ونظامها السياسي ومعادلة الحكم الأردنية فعليه أن يكون الحصن في الحفاظ على كلمة السر المقدسة والتي تصب في مصلحة الأردن وتحفظ لفلسطين جوهر حقوقها.
قد يغضب الناس من تردي خدمات أو من وضع اقنصادي صعب، كل هذا يحدث في أي مجتمع، لكن علاقة الأردنيين بدولتهم ليست علاقة خدمات، بل علاقة هوية، وبخاصة أن القدر جعلنا مع الأشقاء في فلسطين في مواجهة عدو محتل، ومن ينسى معادلة الدولة الحقيقية فإن الواجب أن نذكره بها.
المراجع
alghad.com
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة العلوم الاجتماعية