ما هو حاضر في حديث أهل الخبرة في عالم الاقتصاد أننا في الأردن نواجه مشكلة اقتصادية يجسِّدها عجز الموازنة الذي قد يصل مع نهاية العام إلى أكثر من بليون وربع البليون من الدنانير. وهي مشكلة ليست من صناعة اردنية والدولة ليست مسؤولة عن جزء كبير منها، لأنها وليدة عوامل خارجية اهمها تراجع المساعدات الخارجية إلى أرقام ضئيلة والتأثيرات غير المباشرة والمباشرة للأزمة الاقتصادية العالمية.
عجز الموازنة مشكلة كبيرة، بخاصة إذا تكرر في العام المقبل وما بعده، وخطورته انه قد يضعنا مرة اخرى تحت رحمة برامج تصحيح اقتصادي. هذه البرامج التي دخلت علينا منذ عام 1989 ودفعنا ثمنا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا كبيرا لها، وقمنا ببيع الكثير من مقدرات الدولة تحت عنوان الخصخصة، وضاع ما سمي صندوق الاجيال، الذي كان انشاؤه ليكون مقرّاً لأموال الخصخصة، لأننا أنفقنا هذه الأموال، فبعنا وأنفقنا ثمن ما بعناه.
الجانب السلبي لبرامج التصحيح أنها فرضت على الدولة تخفيف دورها ليكون رقابيا، لكن لأن تركيبة الدولة لا تسمح بانسحاب الدولة، فقد عادت الدولة عبر أساليب خيرية ومعونات، وأصبح صندوق المعونة جسما كبيرا وأساسيا وذراعا غير تنموي للدولة.
عجز الموازنة مشكلة كبرى، وعلاجه إما بأن تلجأ لقروض داخلية وخارجية، وهذه لها سلبياتها، وستعود بنا إلى مديونية كبيرة، سعدنا عندما قامت الدولة بشراء نسبة منها، وتخفيف خدمة الدين العام في الموازنة، او بجلب مساعدات خارجية تسد جزءا من العجز، وهنالك اجراءات ضرورية اتخذت الحكومة جزءا منها مثل ضغط النفقات والترشيد، لكن اذا اردنا ان نكون اكثر تحديدا فإن هنالك خطوات اخرى داخلية يفترض اتخاذها.
إذا كانت المشكلة كبيرة، وهي كذلك، فإن على الحكومة أن تتحدث للأردنيين بصراحة ووضوح عن أبعاد عجز الموازنة، فالمواطن شريك استراتيجي في تحمل أي آثار سلبية لاستمرار هذه المشكلة، وبخاصة الطبقتان الفقيرة والمتوسطة، وعلى الحكومة ان تدرك ان الاردنيين لهم حق في ان يحملوا عن وطنهم ودولتهم عبء أي مشكلة من عوامل خارجية.
نتذكّر جميعا كيف تعامل الأردنيون بكل مسؤولية مع قرارات رفع اسعار المشتقات النفطية في بداية العام 2008، لأنهم ادركوا أن الاسباب خارجة عن إرادة الدولة، ومن حقهم على دولتهم أن تطلعهم على أي قضية، وأن يكونوا جزءا من الحل، لا أن يكونوا جزءا من الضحايا.
تحتاج الحكومة إلى أن تقدم كل جهد ممكن للبحث عن الحلول بكل الاتجاهات، ومنها: السعي للحصول على مساعدات من كل طرف شقيق او صديق، كذلك السعي لتحصيل اموال الدولة التي يمارس أي طرف التهرب من دفعها من ضرائب، لأننا لا نعلم كمواطنين حجم التهرب الضريبي، لكن كان هنالك ارقام، منذ سنوات، كبيرة جدا، والدولة تحتاج كل قرش منها.
ويحتاج المواطن أن تمارس اجهزة الدولة وكبارها كل انواع التقشف المؤثر والمثمر، وان يكون حرص كل مسؤول على كل قرش عام مثل حرصه على ماله. لعل من المهم ان يكون لدى كل مسؤول وعي بأبعاد مشكلة عجز الموازنة وأن يمارس دوره، وأن لا يجد الاردني حديثا عن مشكلة كبرى وسلوكيات من أي صاحب قرار تناقض مصلحة الدولة.
على الحكومة أن تكون واثقة بأن الاردنيين مستعدون لحمل عبء المشكلة عن وطنهم، بما يستطيعون، لكن بشرط ان تؤدي الدولة كل واجبها، وأن تتحدث مع الناس بصراحة وان تطلب منهم واجبهم، ولن يكونوا إلا جاهزين حتى من خبز أطفالهم، لأننا لا نريد أن ندخل في دوامة التصحيح وشروط الأجنبي.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة