لما تم فتح نقاش حول مسائل الاقتصاد الاردني وطرق التعامل معه نشعر أننا نبدأ التقييم أحيانا من اقرب نقطة وننسى ما مضى، واحيانا وتحت تأثير السياسة والخنادق والتصنيفات ننسى أصل المشاكل. ولهذا ترى بعض نقاشنا لقضايا  مسارات الاقتصاد وكأنها وليدة سنة او اثنتين او كأنها من نتائج خصام بين فلان وفلان او كأن المسار الاقتصادي للدولة ظهر قبل عدة أعوام، ولهذا نحمل كل شيء لخنادق المحافظين والليبراليين او للإصلاح والعسكر القديم  مع ان الحكاية في بلادنا قبل هذا بكثير.
وعلينا ان لا ننسى ان اصل البلاء في أي مشكلة اقتصادية في أي بلد ناتج عن الفساد اولا، وغياب الرقابة والمحاسبة، وايضا عن غياب رؤية سليمة لادارة الموارد، اضافة الى قدرات الادارة وكفاءة الطاقم السياسي والاقتصادي. والفساد جذر كل بلاء، والانتماء الشكلي الذي يغطي على تسخير مقدرات الدولة الى مصالح خاصة هو المشكلة الكبرى سواء كان من مارسه اصلاحيا او محافظا او ليبراليا؛ فالفاسد فاسد وهو من يخرب اقتصاد دولته مهما كان الخندق النظري له.
نقول هذا لان علينا نحن الاردنيين ان لا ننسى ان المشكلة الكبرى كانت قبل ان نخترع حكايات الخنادق وقبل ان تكون المعارك بين التصنيفات المختلفة. وعلينا ان لا ننسى اننا كنا قبل عام 1989 نعيش حالة إيجابية وكان الدينار الاردني له قيمة شرائية كبيرة وان الدينار كان يعادل اكثرمن ثلاث دولارات، وكان الاردني الذي يعمل براتب في الاردن او خارجه مقداره 500 دينار كان دخله اكثر من 1500 دولار. وفجأة استيقظ الاردنيون على اقتصادهم ينهار وعلى الدينار يتهاوى ويتحول من اكثر من ثلاثة دولارات الى اقل من دولار ونصف دولار. واكتشفنا اننا دولة غارقة بالديون وان الاقتصاد على حافة الهاوية.
وفجأة دفع المواطن ثمنا كبيرا من دون مقدمات ومن دون ذنب، وفجأة ومن دون ذنب لاي مواطن كان علينا ان نعيش تحت ولاية الوصفات والشروط الدولية القاسية حتى نضمن انقاذ الاقتصاد. وفجأة ايضا دخلنا في برامج تصحيح لها أثمان باهظة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وحتى الامن والاستقرار دفعنا ثمنا منه لان كل التحركات الشعبية في عام 1989 وعام 1996 وغيرها كانت نتيجة إحساس بأن الناس يدفعون ثمنا لاذنب لهم به. وكل هذا قبل ان  نسمع عن محافظين وإصلاحيين؛ فمن كانوا في الحكومات كلهم كانوا من لون واحد. وتمت تلك المرحلة كاملة وتمت فيها عملية رفع الدعم وايضا عمليات الخصخصة والبيع وتم تنفيذ كل شروط صندوق النقد والجهات الدولية المعنية. وهذا كله تم قبل تلك التصنيفات.
مرة اخرى أصل البلاء في كل المشاكل هوا السلطة المتفردة من دون رقابة مهما كان تصنيف الافراد بين معسكرات وهمية. واصل البلاء في كل المصائب التي تحل بأي بلد هو الفساد بكل انواعه. ويزداد البلاء تجذرا حين تغيب المحاسبة وتسجل المشكلات ضد مجهول، لكن هذا  لم ينقذنا من الآثار السلبية. وحتى اليوم ندفع ثمن تلك الحقب، ويحاول بعضنا ان يتناسى مسؤولية المراحل البعيدة لنضعها على إصلاحي او محافظ حديث قدم بعد أن دفعنا ثمن الكارثة.
علينا ان لا ننسى التاريخ القريب لأن النسيان او التناسي يعفي من يجب ان نبقى نذكر "إنجازاتهم"، فالنسيان ليس صك غفران لأحد، مثلما لم يكن فشل مؤسسات مثل مجلس النواب الحادي عشر في تحديد الأسباب الكاملة ومحاسبة كل المتسببين إعلان براءة لمن أوصلونا الى الكارثة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة