أخيرا اعترفت وزارة السياحة وهيئة تنشيط السياحة الأردنية بقصة عجائب الدنيا السبع الجديدة وبالمنظمة التي تدير هذا الحدث العالمي، والتي رشحت مدينة البتراء لتكون واحدة من هذه العجائب، بعد أكثر من خمسة شهور من التردد والمماطلة والتشكيك، علما بأننا لم نأخذ خبرا بهذا الموضوع برمته على المستوى الرسمي والإعلامي إلا بعد خمس سنوات من انطلاقه.
والقصة محليا تعود إلى شهر كانون الثاني حينما اعادت إحدى الصحف المحلية نشر خبر عن صحيفة "الشرق الأوسط" تحدث عن ترشيح مواقع عربية في مصر والأردن للمنافسة ضمن استفتاء عالمي هو الأول من نوعه لإعادة تصنيف عجائب الدنيا السبع من جديد، بعد مرور ألفي عام على التصنيف الأول الذي وضعه الفيلسوف اليوناني "فانون". ومنذ ذلك الوقت ترددت الجهات الرسمية في إعطاء الموضوع أي قيمة او التعامل معه بجدية، ومن جهتها تعاملت وسائل الأعلام المحلية بسطحية مع الموضوع وفقر واضح في المعلومات، في المقابل خاض المصريون معركة شرسة بسبب استثناء منارة الإسكندرية التي اندثرت منذ زمن طويل من قائمة المواقع المرشحة على اعتبار انها كانت ضمن القائمة الأصلية لعجائب الدنيا الأولى.
نعلم بأنّ البتراء يجب ان تكون اكبر من قصة السياحة بمفهومها التقليدي والمحدود. وهي ليست موضوع منافسة استهلاكية على طريقة "سوبر ستار"، لكن طريقة التعامل الرسمي مع هذا الحدث الذي يقع في صلب المهام والواجبات الترويجية لأهم موقع أثري وطني وللأردن بأكمله، تثير هذه الطريقة التساؤل حول جملة من الفجوات والاختلالات التي تربك هذا القطاع؛ أهمها فجوة المعرفة التي أظهرت حجم تواضع معرفة الجهات الرسمية في هذا القطاع بما يدور حولها في العالم؛ ما يعني غيابها عن انشغالات العالم في هذا الشأن وما تحمله من فرص وامكانيات لقطاع يوصف بحساسية عالية في مجال التنافسية.
وثمة فجوة أخرى تتمثل في ضعف إرادة الإنجاز لدى إدارات تنتظر دائما تلقي النتائج بدل ان تكون فاعلة ومبتكرة، علاوة على اختلال العلاقة بين القطاع الخاص والإدارات الرسمية في الترويج للمنتج السياحي الأردني، كما يبدو في ضعف هذا الترويج وتواضعه، ثم سيطرة أسطورة روج لها مجموعة من المحتكرين في هذا القطاع بالتعاون مع متنفذين في الإدارة منذ بضع سنين تقوم على ان عصر السياحة الثقافية والتاريخية وحتى البيئية انتهى وحل مكانه سياحة الشواطئ والكازينوهات والمنتجعات المغلقة، وبهذه النتيجة فنحن لسنا بحاجة إلى البتراء وجرش وعجلون ورم.
وزير السياحة والآثار الحالي جاء من القطاع السياحي الخاص ولديه خبرة واسعة في هذا القطاع، ويشكل ملف ترشيح البتراء ضمن عجائب الدنيا الجديدة فرصة مهمة ونادرة لإثبات دور وزارته في التنمية السياحية وبناء جسور حقيقية مع القطاع الخاص والعالم، وليس من المصلحة الوطنية في شيء ان يقلل موظفو الوزارة والهيئات السياحية الأخرى من اهمية هذا الحدث او البحث عن مبررات عدم الانتباه إليه.
لقد برزت فكرة اختيار نسخة جديدة من عجائب الدنيا في غمرة الحديث الواسع عن البدايات والنهايات التي صاحبت نهاية الألفية، التي تعني في هذا السياق نهاية ألفية ثانية على تحديد عجائب الدنيا للمرة الأولى، ما دفع المغامر والمنتج السينمائي السويسري (بيرناد ويبر) عام 2001 إلى تأسيس منظمة غير ربحية لتحقيق هذا الهدف، واستطاع ان يحشد لذلك نخبة من الفنانين والخبراء في التراث الإنساني والعلماء الآثاريين والمعماريين، من بينهم (فيدرويكو مايور) المدير السابق لليونسكو و(زها حديد) أول امرأة في العالم تفوز بجائزة (ريتركز) العالمية في العمارة، والفنان المعماري الياباني (تودا انندو) والأميركي (سيزر بيل) وغيرهم، إلى جانب العديد من كبريات مؤسسات الأعمال وشركات الترويج والعلاقات العامة وصناعة النجوم وتكنولوجيا الاتصال في أوروبا والولايات المتحدة.
وتعمل المؤسسة ضمن أهدافها على المحافظة على التراث الإنساني وحمايته من التدمير والخراب، وتوفير الظروف الملائمة لاستدامة هذا التراث، وفوق ما ستجنيه المواقع التي سيتم اختيارها بالتصويت العالمي من ترويج سياحي كبير، فان المبالغ التي ستتوفر جراء عمليات التصويت ستوظف لصيانة وترميم هذه المواقع، وتقوم هذه المؤسسة حالياً بترميم الآثار البوذية في أفغانستان التي دمرها رجال طالبان.
البتراء حاضرة بقوة في اعرق الأكاديميات في العالم، وهناك مكتبة ضخمة من المؤلفات والبحوث التي تناولتها في العديد من اللغات. والبتراء حاضرة في الأدب والفنون وفي السينما العالمية، وحاضرة في شهادات المئات من زعماء وقادة ومفكرين وأدباء وفنانين كبار ورحالة ومغامرين على مدى قرن، ولو تم توثيق هذا كله لكان ثروة وطنية ووسيلة لترويج الأردن واحد عناصر القوة الناعمة للدولة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد