يتصور بعض العملاء الجبناء من المتمردين الطائفيين أن القرآن الكريم ، حين تحدث عن أخلاق المسيح عليه السلام لم يتكلم عن أخلاق محمد  - صلى الله عليه وسلم . وهذا غير صحيح لسبب بسيط ، هو أن محمداً - صلى الله عليه وسلم – كان خلقه القرآن ، وما أكثر الآيات التي تناولت أخلاقه وسيرته السلوكية والدعوية والإنسانية ، وقدّمته نموذجاً تقتدي به البشرية في سعيها إلى السعادة في الدنيا والنعيم في الآخرة .
وإذا كان العملاء الجبناء في التمرد الطائفي قد بدا لهم أن يهينوا نبي الإسلام - صلى الله عليه وسلم - ويصفوه بأقذع الصفات وأفحشها ، فإن الرّد عليهم بمنهج العلم هو أقصر الطرق لكشفهم وفضحهم على الملأ ، لأنهم تخلوا عن المحبة التي جاء بها المسيح عليه السلام ، وأحلّوا مكانها الخسّة والوضاعة والخيانة والغدر ، وراحوا يكذبون على الله ورسوله ، ويقدمون أنفسهم امتداداً للوحشية الصليبية الاستعمارية ، ويسيئون إلى الإسلام ، وإلى الأغلبية الساحقة التي احتضنتهم وتسامحت معهم إلى أبعد مدى ممكن ، لدرجة وضعت السلطة في سياق " الدولة الرخوة " التي تغمض عينيها عن جرائم يقترفونها في الداخل والخارج ، دون أن تحاسبهم أو تهز آذانهم بكلمة عتاب .
لقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة الخاتمة ، وهى دين آبائه وأجداده من لدن آدم ونوح حتى إبراهيم وموسى وعيسى ، وهى رسالة الإسلام ، أو الحنيفية ، وقد أعلن الأنبياء والرسل السابقون ، ومعهم المسيح بن مريم ، إسلامهم . فإبراهيم " مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " ( آل عمران : 67 ) .
وإبراهيم وإسماعيل يقولان : " رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ " ( البقرة : 128 ) .، ووصى إبراهيم بنيه ويعقوب : " وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " ( البقرة : 132 ) .، ويوسف يقول عن نفسه " تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ " ( يوسف : 101 ) ، وقال قوم موسى لفرعون : " وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ " ( الأعراف : 126 ) . وقال موسى لقومه : " وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ " ( يونس : 84 ) . حتى فرعون نفسه حين أدركه الغرق أعلن إسلامه : " حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ " ( يونس : 90 ) ، وأوحى الله إلى الحواريين أن يؤمنوا به وبرسوله عيسى " وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُواْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ " ( المائدة : 111 ) ..
الإسلام هو الدين الخالص ، الذي بدأ بآدم عليه السلام ، وانتهى بمحمد - صلى الله عليه وسلم -جوهره التوحيد ، وغايته سعادة البشرية ، وقد اكتملت رسالته في حجة الوداع عام 13هـ ، وهو ما جعل الإيمان بالرسل والأنبياء السابقين شرطاً من شروط الدخول في عقيدته ، وإذا كان ما جاء به موسى ويسمى اليهودية ، وما جاء به عيسى ويُسمى النصرانية  ، فهو من باب الاصطلاح ولا مشاحة  في المصطلح ، كما يقول المناطقة . اليهودية تعبير عن رسالة  موسى ، والنصرانية تعبير عن رسالة المسيح ، وإن كانت اليهودية والنصرانية مقترنتان بالتحريف ، وفقاً لما جاء في القرآن الكريم " وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " ( البقرة : 135 ) . والتحريف هو الشرك .
وخلاصة القول إن رسالة الإسلام منذ البدء والختام ، هي كرم الأخلاق ، وكانت لدى النصرانية متعلقة بالروح وتطهير النفس ، على النحو الذي أوضحناه سلفاً ، وقد امتدت في الإسلام على يد محمد - صلى الله عليه وسلم – ليكون القدوة الحسنة " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا " ( الأحزاب : 21 ) .، والرءوف الرحيم بالمؤمنين " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رءوف رَّحِيمٌ " ( التوبة : 128 ) ، ثم كان وصفه الأشهر : " وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ " ( القلم : 4 ) . ثم كان التوجيه الإلهي : " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ " ( النحل : 125 ) ... وقال الرسول صلى الله عليه وسلم " إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق " و " الدين حسن الخلق " .. وقالت عائشة رضي الله عنها " كان خلقه القرآن " .
وتنطلق أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم ، والمسلمون من التوحيد " اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ " ( النحل : 36 ) ، " فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ " ( البقرة : 22 ) ، فهي أخلاق مرتبطة بالإيمان ، لا تحتمل النفاق ولا الرياء . ثم إنها تعتمد على النية والتوكل على الله والحب له الذي يدفع إلى السمع والطاعة والتوبة والندم على الخطأ والاستغفار للذنب ، دون حاجة إلى وسيط "وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ " ( آل عمران : 135 ) .
ومشكلة بعض العملاء الجبناء من المتمردين الطائفيين أن إقذاعهم في حق محمد - صلى الله عليه وسلم - يأتي تعبيراً عن نفس خبيثة ، لم تفقه رسالة المسيح عليه السلام ، ولا رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم . وخضعت لمشيئة أعداء المسيح ممن يحملون الصليب ظلماً وزوراً ، ويكذبون على الله وعلى أنفسهم من أجل أغراضهم الدنيوية الحقيرة الزائلة .
وتمنيت لو قرأ هؤلاء العملاء الجبناء : قصيدة نهج البردة لأحمد شوقي ، وما جاء فيها عن محمد والمسيح . إنه تصوير حي لطبيعة الرسالة المشتركة التي اكتملت في الإسلام ، وساكتفى ببعض الأبيات :
إِن  قُلتَ في الأَمرِ لا أَو قُلتَ فيهِ نَعَم
أَخـوكَ عـيـسـى دَعا مَيتاً فَقامَ لَهُ
وَالـجَـهلُ  مَوتٌ فَإِن أوتيتَ مُعجِزَةً
قـالـوا غَزَوتَ وَرُسلُ اللَهِ ما بُعِثوا
جَـهـلٌ  وَتَـضليلُ أَحلامٍ وَسَفسَطَةٌ
 
 
 
فَـخـيـرَةُ الـلَهِ في لا مِنكَ أَو نَعَمِ
وَأَنـتَ  أَحـيَـيتَ أَجيالاً مِنَ الرمم
فَاِبعَث مِنَ الجَهلِ أَو فَاِبعَث مِنَ الرَجَمِ
لِـقَـتـلِ نَـفسٍ وَلاجاؤوا لِسَفكِ دَمِ
فَـتَـحـتَ  بِالسَيفِ بَعدَ الفَتحِ بِالقَلَمِ
آية كريمة :
قال تعالى : "إنا كفيناك المستهزئين . الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون " . صدق الله العظيم .

المراجع

saaid.net

التصانيف

أدب  مجتمع