قبل أيام قليلة بدأت محطة إذاعة "صوت معان الجديدة " بثها التجريبي من جامعة الحسين بن طلال لتكون أول محطة إذاعية تنموية في المحافظات تتويجاً لجهود استمرت حوالي ثلاث سنوات من التخطيط والعمل، وكنت قد أطلقت هذه الفكرة في اجتماع عصف ذهني مع ممثلي المجلس الثقافي البريطاني ولاقت الفكرة الدعم والتأييد من رئيس الجامعة آنذاك الدكتور عادل الطويسي وتبنى المجلس الثقافي البريطاني تمويل المشروع، ثم لاقى المشروع الدعم من رئيس الجامعة الحالي، الدكتور راتب العوران، وتابعت السيدة عزة حمودة من المجلس الثقافي تفاصيل المشروع، وقمنا بتنفيذ سلسلة من الدراسات المجتمعية والإعلامية والفنية، حتى استطعنا تكوين الإطار المعرفي المتكامل الذي يتجاوز حدود محطة إذاعية محلية، وينال السياسات ومنهجية العمل مع المجتمع المستهدف.
تنطلق فكرة إنشاء هذه الإذاعة من ضرورة الاستفادة من التطبيقات المعاصرة للإعلام التنموي من حيث انتهى العالم، من خلال إذاعة محلية تنموية موجهة إلى المجتمعات المحلية في هذه المحافظة بهدف خلق ثقافة صديقة للتنمية، وتفعيل المشاركة الايجابية التي تسهم في التعرف على الحاجات المجتمعية ومحاولة تقديم إجابات واقعية حولها، وذلك في بيئة محلية توصف عادة ومنذ أكثر من عقد ونصف بعدم الاستقرار المحلي وتكرر مظاهر الاحتجاج ورفض بعض السياسات العامة، إلى جانب كونها بيئة اجتماعية يشعر الناس فيها بقلة اهتمام مؤسسات الدولة لحاجاتهم وحقوقهم التنموية، الأمر الذي خلق بعض الجفاء بين المجتمعات المحلية ومراكز صنع القرار، طالما انعكس هذا الجفاء بتواضع الثقة والمصداقية، وإذا ما أضيف إلى ذلك تراكم الإحباط لدى الشباب المتعلم والنخب الجديدة في ظل ظروف اقتصادية صعبة فإن إحدى المهام التنموية العاجلة تتطلب خلق اتجاهات جديدة وتحفيز المشاركة الايجابية، وتعزيز ربط المجتمع المحلي بالدولة بمضامينها الاجتماعية والسياسة الاقتصادية، حيث يقدم الاتصال التنموي مساهمة كبيرة في هذا الشأن، وإذا ما تم التخطيط له علمياً فانه قادر على خلق ثقافة ايجابية جديدة ترتقي بأساليب التعبير والرفض الاجتماعي وتقدم أدوات مجتمعية للرقابة تعمل بالتراكم على ردم الفجوة التي خلقتها أجيال من السياسات العامة ليس فيما يتعلق في معان بل وفي مختلف المحافظات الأخرى.
كان قدر معان ان تشهد ميلاد أول صحيفة أردنية "الحق يعلو" في مطلع العشرينيات من القرن الماضي، واليوم تشهد ميلاد أول محطة إذاعية تنموية، تجسد أحد الأشكال الجديدة لدور الجامعات في تنمية مجتمعاتها، وهي تجربة تدعو الجامعات إلى الانعتاق من الكلام الكبير والفارغ من المضمون الذي تعودنا سماعه حول الدور التنموي لها دون ان نرى أفكارا جديدة تتجسد على الأرض ويلمسها الناس.
لا اخفي تحيزي لهذه التجربة، وأود ان أذكر القائمين عليها اليوم بالتحديات الأساسية التي يجب الالتفات اليها مبكراً وتنسحب على أي مشروع اتصالي تنموي مماثل في المحافظات الأخرى، وأولها تحدي بناء الثقة والمصداقية، وهذا الأمر على درجة عالية من الجدية والحساسية في مجتمعات لديها ميراث من ضعف الثقة في كل ما هو رسمي، ثم تحدي خلق الجاذبية أي ان يملك المضمون الاتصالي القبول الاجتماعي الذي يمكن الوسيلة ان تتحول إلى وكيل تغيير مرحب به، وتحدي بناء اتجاهات صديقة للتنمية من خلال تعزيز المشاركة التنموية، وليس مجرد الحديث حول المشاركة، وتحدي التعريف بالفرص الجديدة وتعزيز قيم النجاح وتحقيق الذات، وأخيرا تحدي الترفيه الايجابي.
هذه التجربة تستحق كل الدعم والمؤازرة والمتابعة، وأمامها كل شروط النجاح، ولا يقبل منها اقل من ذلك.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد