تدل العديد من المؤشرات والتفاعلات الجارية على الأرض بأن سنة 2007 ستكون إيرانية بامتياز، في حجم الأحداث والتحولات الإقليمية والدولية التي ستصبغها التفاعلات الإيرانية بصبغتها، وليس الملف النووي الإيراني إلا واحدا من جملة عناوين رئيسة سوف ينالها المزيد من التصعيد بعد ان بقيت تدور في الدوائر السياسية والاستراتيجية بين المراوغة والتأجيل والانتظار.
ومن المتوقع ان تشهد هذه السنة لحظة التصعيد القصوى أو الحسم الذي سيقود حتما نحو الاعتراف بواقع جديد لا بد من التعايش معه يفضي إلى دولة نووية جديدة، أو الاحتكام لمنطق القوة، إلى جانب توقعات اخرى باستقرار المكانة الإقليمية الجديدة التي تخول إيران تزعم نظاماً اقاليميا جديدا يجمع كيانات سياسية ذات سيادة ويتجاوز سيادة كيانات اخرى.
على ان سيناريوهات اخرى تأخذ بعين الاعتبار تزايد ارتباط الأزمات الإقليمية والمحلية في الشرق الأوسط بالبوصلة الإيرانية، وتزايد المقايضات الدولية بين الولايات المتحدة وبين اللاعبين الكبار في النظام الدولي بشأن الملفات الإيرانية، والتي تعني تقديم المزيد من الكلف والأثمان السياسية والاقتصادية من الولايات المتحدة. تتوقع تلك السيناريوهات مفاجآت اخرى من قبيل انسحاب أميركي مفاجئ من العراق وإعادة تمركز واسع في الخليج، وترك إيران تتورط بشكل اكبر في العراق في الوقت الذي يفرض المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة حصارا بحريا واقتصاديا ويحرمها من طموحها الاستراتيجي، مقابل صفقات متبادلة مع الصين وروسيا، ولكن الأمور لا يبدو انها تمشي في هذا الاتجاه. فالحقيقة ان الولايات المتحدة تملك القدرة على تطويع إيران لكنها لا تريد، فثمة مصالح حقيقة مشتركة على الأرض وصراع مصالح يدار على أراض اخرى، وبين هذا وذاك يتم تداول معركة الكلمات والوعيد بالطلقات التي تصور المشهد من خلال وسائل الإعلام وكأن الحرب واقعة لا محالة.
على كل الأحوال سيغطي جدول الإعمال الإيراني جل تفاعلات العام القادم على الأرجح، وخلال الأسبوع الأخير من العام المنتهي نرصد أربعة أحداث تدل بشكل واضح على حجم ما تنتظره السنة القادمة من أحداث سيكون محورها طهران فاعلة تارة وساحة لأفعال الآخرين تارة اخرى، وأول هذه الأحداث الأخيرة قرار مجلس الأمن بفرض عقوبات اقتصادية بعد لعبة مراوغة سياسية طويلة أجادتها إيران ضمن مسار الغموض الاستراتيجي الذي يوجه المصالح المتبادلة مع الولايات المتحدة، ويستكمل هذا الحديث برد الفعل الإيراني الذي نلمس فيه بداية للتحول في اطروحات الخطاب الرسمي الإيراني ودخول مقولات جديدة تشير وبشكل غير مباشر لأول مرة للسلاح النووي، وليس الطاقة النووية للأغراض السلمية، الحدث الثاني تقرير حكومي سعودي نشرته مطلع الأسبوع الماضي صحيفة "واشنطن تايمز" تحدث بالأدلة والاستطلاع عن نجاح إيراني في إقامة دولة شيعية في العراق عبر دعمها للميلشيات بالسلاح والمال والتدريب وتمويل المستشفيات والمدارس والمؤسسات في مناطقها واختراق الجيش العراقي الجديد والشرطة والأجهزة الأمنية وشراء ولاء ساسة عراقيين بالأموال، فضلاً عن الدعم اللوجستي الضخم والضمان الاجتماعي الذي تقدمه للجماعات الشيعية المسلحة ومؤيديها والذين يتجاوزون 1.5 مليون عراقي.
الحدث الثالث برز على شكل إماطة اللثام عن حالة بقيت رهن التسريبات والمعلومات الغامضة حول حجم النفوذ أو التدخل الإيراني في السودان، وبرز ذلك في حملة المناهضة للنفوذ المذهبي الإيراني في السودان التي أطلقتها جماعات إسلامية سودانية تضم(جماعة أنصار السنة المحمدية وجماعة الاخوان المسلمين ومجلس الدعوة والطائفة الختمية) وغيرها، وطالبت الحملة بمقاومة ما أسموه "الخطر الشيعي" وانتشار العديد من الحسينيات والمساجد والزوايا الاثني عشرية في الخرطوم وتحدث منظمو الحملة عن قرى سودانية بأكملها تحولت لاعتناق المذهب الشيعي، والحدث الرابع خلال نفس الأسبوع صدور تقرير إسرائيلي يتحدث عن تلقي مجموعات من حركة حماس تدريبات عسكرية في إيران مماثلة للتدريبات التي تلقاها الآلاف من مسلحي حزب الله اللبناني.
تدخل إيران السنة الجديدة بعناصر قوة أكثر وضوحاً وترسخاً ما سيجعل تفاعلاتها السياسية خلال الشهور القادمة أكثر ميلاً نحو الحسم في الكثير من القضايا التي تتعلق بمصالحها الحيوية، وأكثر قدرة على الوضوح الاستراتيجي في ممارسة دورها الإقليمي الذي بات يؤهلها للعودة لصورة(جاندرما الشرق الأوسط) وليس الخليج وحده، مع ان ازدياد حدة الظروف الإقليمية تردياً يصب في مصالحها.
بينما تستقبل إيران العام الجديد وسط هذه التحديات والفرص تزداد حساسية عناصر الكتلة الحيوية للدولة وقابليتها للتوظيف في العراك السياسي الخارجي، فقد تجاوز الناتج الوطني الإجمالي حاجز(100) مليار دولار , وما يزال الاقتصاد الإيراني يعد واحدا من أعلى المعدلات نموا في المنطقة، وتجاوز العام الماضي 6.2% بينما بلغ معدل التضخم حوالي
(15.5%)، وعلى الرغم من استمرار الارتهان لسلعة الاستراتيجية واحدة ما يؤكد حساسية بنية الكتلة الحيوية في حال فرض عقوبات اقتصادية محكمة، فإن الغرب يعي أكثر من غيره، بأنّ الدولة الدينية الإيرانية ذات خصوصية تخرجها من الوصف التقليدي، وعلى سبيل المثال تملك إيران اليوم اكبر مشروع لتنظيم الأسرة في العالم الإسلامي والسينما الإيرانية ثاني اكبر سينما في آسيا بعد السينما الهندية.
السنة الإيرانية الجديدة بدأت مبكراً مع قرار مجلس الأمن الأخير، وابرز ملامحها المتوقعة انجلاء بعض الغموض الاستراتيجي في علاقتها مع الولايات المتحدة، مقابل ازدياد الغموض في استثمارها الذكي للفراغ الاستراتيجي العربي.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد