ما زلت أذكر الفرحة التي اصابتني وأصابت قطاع الثقافة عموماً حينما علمنا ان أمانة عمان بصدد تخصيص شارعاً للثقافة في منطقة الشميساني، فقد ذهب بي الخيال وقتها الى تأسيس ذاك الشارع الذي ينزع عن وجهه الاسفلت ويتحلى بذاك البلاط العريض الذي يسمح بالمشي، وتصورت مكتبات تقام على طرفي الشارع ومقاه بسيطة ذات نكهة عمانية خاصة، وأرصفة تكتظ فيها بسطات الكتب باسعار مقبولة، وبوجود بعض الرسامين الذين يرسمون وجوه المارّة في الشارع على طريقة العواصم الغربية، أو مشاهدة ذاك العازف المتنقل بين حشود الناس في الشارع. لا بل ذهب بي الطموح الى توقع مشاهدة بعض العروض السينمائية النادرة بشكل مجاني كما تفعل مؤسسة شومان كل اسبوع.
بالأمس وحينما قادتني قدماي الى شارع الثقافة، اكتشفت ان هذا الشارع ليس له من اسمه نصيب، فبعض العائلات وجدتها تفتعد الارض، تاركين تلك الصبية او ذاك الشاب يهرب بهاتفه الجوال منزويا كي يحدث صاحبته، كما وجدت رجلاً مسناً يعاني من عقدة التصابي وهو يتحرك كا لمصروع باحثاً عن فتيات هنّ بعمر بناته. بينما تحولت الساحة التي تتوسط الشارع الى غناء ارتجالي لمجموعات شبابية هدفها الاستعراض وتسميع الصبايا العابرات هذا الغناء الساذج، وفي الشارع يعبر باص صغير تراكاً ركابه من الشباب يخرجون نصف اجسادهم من نوافذه وهم يغنون بشغب مقرف هدفه لفت الانتباه.
لكن الأنكى من هذا كله هو هذا العدد الهائل من الشبان الذين ينتعلون احذية بعجلات وهم يتبارون في سباق مروع بين الاطفال والمارة. والامر لا يتوقف عند هذا الحد، بل تراهم يقفون عند زاوية تقاطع شارع الثقافة بانتظار أي سيارة أجرة ومن ثم «يتعربشون» بها، كي تصبح سرعتهم مضاعفة، وبالطبع لا بد وان ترى هذا المشهد من توقع ان تتوقف السيارة فجأة ليصبح راس الشاب معجوناً بالدهس من العجلات الخلفية للسيارة.
بالأمس وازاء كل هذه المخالفات التي تنزع عن الشارع لقبه كشارع للثقافة لم أجد سيارة شرطة واحدة تقوم بمنع كل الحماقات التي يتحملها الشارع، وكان عليّ بعدها ان اعود لبيتي بعيداً عن كل هذه الترهات التي يتعر ض لها شارع الثقافة يومياً بفعل بعض الحمقى والصعاليك.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خليل قنديل جريدة الدستور