ربما يكون الوطن العربي وحده هو من يقيم وربما بشكل أبدي في منطقة المسكوت عنه، ولعل مصطلح المسكوت عنه هو من أعتى المصطلحات التي أفرزها الحكم الاستبدادي العربي عبر تاريخه، وهو اللاجم الحقيقي والمانع لانطلاق النطق المعافى. انه ببساطة يعني اعتقال المواطن العربي في منطقة القهر والخرس الوطنيين.
وقد ظلت عصور الاستبداد المتواصلة التي عاشها العربي هي المسؤولة الاولى عن انتاج أمثلة شعبية ساذجة مثل القول «الحيط الحيط ويا رب الستيرة» او «حط راسك بين الروس وقول يا قطاع الرؤوس» أو «اليد التي لا تقدر عليها قبلها وادعو لها أو عليها بالكسر».
ان مثل هذه الثقافة الانبطاحية استطاعت أن تتغلغل في وجدان عامة الناس حتى تحولت الى استراتيجية دائمة في فعل الانحناء وطأطأة الرأس وتعميم مشهد «المسكوت عنه».
ان الحراك الشبابي العربي الذي تفجر ربيعاً جماهيرياً في الوطن العربي، هو الحراك الذي ذهب نحو منطقة المسكوت عنه كي يزلزلها، ويدب الحياة في أرجل الواقفين على أرض هذه المنطقة بحيث صار يمكن لجماهير الوطن العربي أن تهبط الى ساحات عواصمها والى شوارعها وتهتف بصوت واحد صار كالايقونة «الشعب يريد اسقاط النظام». وصار يمكن للروح التي الجمت نطقها الانظمة الديكتاتورية ان تفرح بحرية النطق والمجاهرة برفض الركون في منطقة المسكوت عنه.
والحراك الشبابي العربي هو الذي جعل بعض القيادات التي حولت بعض الاقطار العربية الى مزارع عائلية تتقاسم خيرات الوطن وتنهبه، ان تتوقف قليلاً امام هذا السيل الجماهيري الهادر الذي تحرر للتو من لجامه التاريخي، وتصدق للمرة الاولى في تاريخها القيادي ان هناك شعباً يستطيع وفي لحظة تاريخية نادرة ان يعيد الامور الى نصابها.
ان الوطن العربي بمجمله وعلى اثر هذا الحراك الشبابي المتنور الذي يسعى الى اقامة الدولة المدنية الحديثة التي تؤمن بالحرية وتبادل السلطات بشكل ديمقراطي، هو على موعد مع قطف الثمار التي قدمها شهداء الحرك الشبابي بصدور عارية.
نعم.. هي فترة قصيرة وسنكون جميعاً على موعد مع المواطنة الحقة، وسنكون جميعاً خارج منطقة المسكوت عنه، هذه المنطقة التي سرقت أرواحنا والجمت نطقنا.
هي فترة قصيرة ونبدأ بالقطاف، وأي قطاف
.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خليل قنديل جريدة الدستور
|