غداً ومع اطلالة الفجر سوف أنهض من نومي، وسأفعلها كما لم يفعلها أي كاتب من قبل، ذلك أني سوف أذهب راجلاً الى مقر رابطة الكتاب القديم في جبل اللويبدة، وانا أعلم ان المكان صار يخص رابطة التشكيليين الاردنيين، لكني مع ذلك سوف أنفرد بالمكان، وأتجول بالشرفة اياها , واطل على بعض الشجيرات التي كانت تنمو كي تظلل أرواحنا بمحبة نادرة كي أهتف من أعماقي بحرقة «صباح الخير أيتها الرابطة».
سأمسد على جدارها الحجري بيدي المرتعشة التي تحلم بأن تجر تاريخ الرابطة من أوله، وأن أسترد تلك الضجة الثقافية البكر التي كانت ترتج بين جدرانها.
صباح رواد الكتابة الاردنية الذين كانوا يتوزعون في المقاهي المتناثرة في وسط البلد، وهم يجلسون على تلك المقاعد الصغيرة وهم يحلمون بتأسيس رابطة تجمع الكتاب في جسم واحد، وقد كان لهم ما أرادوا.
صباح النزوح الثوري للاحزاب الاردنية التي التجأت الى الرابطة حين حوصرت بالاحكام العرفية، فكانت الرابطة هي الأم الرؤوم التي تحنو عليهم، وتمنحهم أمان النطق.
صباح الامسيات الثقافية التي كانت تبشرنا بأصوات ابداعية سوف يكون لها لاحقاً صوتها الابداعي المؤثر في الساحة الثقافية الأردنية والعربية وحتى العالمية.
صباح اللقاءات الجميلة في ضحى الرابطة وظهيرتها حيث المصافحات، وتعرق الأيدي، وتلك الكتب التي استطعنا شراءها بشق الانفس للتو، ونحن نتبارى في نطق الجملة المثقفة والافكار وتبادل المفارقات كمبدعين استطاعوا ان يفلتوا من الغباء العام المستشري ويستردوا أرواحهم المثقفة قليلاً.
صباح الحزن الذي عمّ جبل اللويبدة حين قضت الاحكام العرفية باغلاق الرابطة بالشمع الاحمر، فصارت أُمنا الرابطة وحيدة، تلك الوحدة الحجرية الموجعة.
وصباح عودة الرابطة بعد انتهاء الاحكام العرفية وعودة الكتاب اليها، كي يؤثثوها بحضورهم الجميل مرة أخرى.
صباح الانتخابات المتتالية لرابطة الكتاب، وصباح الكولسات، ومعارك كسر العظم، صباح الزميل محمد المشايخ الذي كان يشعرنا أنه ولد في الرابطة، وصباح «أبو حسين» وشايه وقهوته، ونبوءاته الناجحة دائما في توقع القائمة الفائزة في انتخابات الرابطة.
صباح المكان الذي كان يختصر عمان في مبنى حين نقبل عليه.
وصباح الكتاب الموتى الذين ودعوا الرابطة بعد أن هرموا فيها.
وصباح الكتّاب الذين توزعوا في منافيهم الاختيارية. صباح الخير ايتها الرابطة.
أقول هذا وانسحب تدريجياً من مكان الرابطة القديم، وأتجه الى مجمع النقابات حيث انتخابات ادارية الكتاب، على أمل أن نعيد للرابطة مجدها. ذاك المجد الذي فقدناه كثيراً.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خليل قنديل جريدة الدستور