الغرب لم يقدم لنا منجزاته الحضارية ابتداء من قيامه بالثورة الصناعية مروراً بدخوله عصر التنوير مجاناً بل استطاع من خلال هذه الانجازات التكنولوجية أن يحتل مناطق كل الشعوب التي اعتمدت «التكويع» التاريخي، والاستمتاع المُزمن بالهرج والثرثرة وتعميق دور الشفاهية، واستقواء افرادها على بعضهم، واعتبار النميمة وتعميق نهج الضغائن من المواصفات الضرورية لشعوب هذه المنطقة.
والغريب أن ابناء النهج «التكويعي» اعتقدوا أنهم وبسبب الاستمتاع بالشوارع الأنيقة، والأبنية التي صارت تطاول السماء، وبالتعامل السهل مع الاضاءة ومع كل المفردات التكنولوجية من راديو وتلفاز ومحطات فضائية وكمبيوترات، أنهم صاروا جزءاً لا يتجزء من الموروث الحضاري المضارع السابق والآني والمستقبلي. وانهم وبجرد انهم ولدوا في هذا العصر التكنولوجي المفزع بمنجزاته صارو أعضاء في المنظومة الحضارية القائمة.
والأمر في الانجازات الحضارية لا يتوقف عند الغرب بل يذهب الى النمور الاقتصادية في الشرق الآسيوي، حيث استطاع الصيني والياباني وحتى الهندي أن يقبض على ارثه الضاري التاريخي بالنواجذ وأن يقبض على عاداته بصدق عجيب، ومع ذلك ذهبت شعوب شرق آسيا بهذه الحمولة الكارثية والثقيلة من العادات والتقاليد واستطاعت أن تدخل في التكنولوجيا بكامل هيبتها الحضاري، فمن يصدق ان دولة مثل اليابان القيت على ارضها قنبلة ذرية، ورفع امبراطورها الراية البيضاء في نهاية الحرب العالمية الثانية، أن تصل الى هذا المستوى النابغ في الصناعات التكنولوجية، وتهيمن على اسواق العالم
| ومن يصدق ان الصين التي كان شعبها مصاب بالافيون وبكل اصناف التخلف صار العالم مديناً لها، بما في ذلك امريكا.
وفي العودة الى العرب ابناء النهج «التكويعي» نلحظ انهم وحينما يشاهدون أي واحد يتشبث بموروثه التاريخي يصفونه بالتخلف، وهم يرفضون رفضاً قاطعاً الالتزام بالعادات التراثية، ففي الوقت الذي مازال فيه الهندي يقتعد الارض ويأكل الرز بيديه، فان ما من أحد منّا يقبل أن يستغني عن المقاعد والسفرة التي صار لها غرفة أو يستغني عن المبالغة في استعمل الملاعق والسكاين والشوكة في تناول طعامه.
والغريب أن العربي استطاع أن يغير عاداته الاجتماعية كي يتسق مع الحضارة القائمة، لكنه لم يقترب من تلك البنية المتخلفة التي تتحكم في جوانيته، ولم ينتصر بعد على عادات اجتماعية تمجد الذكر وتحتقر الانثى عند الولادة. واعتقد اننا لو استمرينا في تعداد وملامح خمجنا الاجتماعي فان هذه المقالة لن تنتهي.
وتلكم هي كارثتنا الحقيقية.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خليل قنديل جريدة الدستور
|