المقال الخامس
ضعف علاقة الانسان بربه ينتج عنها ما يسمى الجفاف الروحي الذي يعني حالات الركود والضمور والخمول والفتور والكسل التي تصيب الانسان، هذا الجفاف يفقد الانسان لذة الدعاء وفائدة الموعضة وخشوع الصلاة ولو رجعنا الى الاسباب الرئيسيسة لهذا الجفاف فهو أولا القلب الملوث وهو الذي يملأه الحقد والحسد والكره والغش والسوء والشر هذا القلب لا يمكنه الانطلاق في آفاق التغيير والتطوير والسبب الثاني هو الذنوب والمعاصي والسلوكيات المنحرفة والتي لها آثار خطيرة جدا في حياة الانسان . لذا من أهم أهداف عملية التغيير والإصلاح هي كيفية توثيق الصلة بين الإنسان ورب العالمين وكيفية اشباع هذا الخواء الروحي الذي يتملك حياة الانسان ، والعلاقة الوثيقة تؤدي إلى إحساس الإنسان بالسعادة والراحة والاطمئنان بشكل دائم ، لذا فأن معالجة ضعف العلاقة بين المرء وربه وهذا الجفاف الروحي يكون بتنقية القلب والجوارح من الشوائب والتلوثات والشحن الروحي المستمر وهذا يتم من خلال عمل ما يلي:
وضع برنامج عبادي: قال تعالى: "واستعينوا بالصبر والصلاة".تأتي العبادات والفرائض وفي مقدمها الصلاة لتشكل برنامجاً متكاملاً يستمد الإنسان منه قواه الرحمانية، فيصفِّي نفسه ويطهِّر قلبه وتنمو قدرة المقاومة لديه لمواجهة أشكال النقص وعوامل السقوط ، ويتضح هذا البيان في قوله تعالى: "إنّ الإنسان خُلق هلوعاً ء إذا مسَّهُ الشَّر جزوعاً ء وإذا مسَّهُ الخير منوعاً ء إلاّ المصلِّين"(2).فالهلع والجزع والمنع نقائص وعيوب وعلاجها يكون بالصلاة وعموم الطاعات والعبادات.لذا فالفرد ينبغي عليه عمل برنامج عبادي يركز فيه على النقاط الآتية :(1) المحافظة على الصلوات الخمس، المحافظة على النوافل اليومية، المواظبة على الصيام المستحب، التصدق ، المحافظة على حقوق الإخوان وقضاء حوائجهم ، عدم الحديث في ما لا يعني، تلاوة القران الكريم كل يوم.
سلاح الدعاء : قال تعالى : ( وإذا سَأَلَكَ عِبادي عَنِّي فَإَنِّي قَريبٌ أُجَيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجيبوا لِي وَلْيُؤْمِنوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشَدونَ )سورة البقرة آية 186 الدعاء له أهمية بالغة فهو وسيلة صلة دائمة بين الفرد وخالقه وهو شعور الإنسان بحاجته الدائمة إلى ربّه تعالى في جميع أموره واعترافه بأنه عبد مما يقوي الشعور بالارتباط العميق بالله سبحانه. ومن خلال الدعاء تظهر جوانب التضرع وطلب المساعدة والعون من الله ، كما إن الدعاء هو سبيل التوبة والرجوع الى الله وخطوة سابقة وتمهيدية للجد والاجتهاد بالعمل الصالح وتقوية العبادة .
تطوير مهارات الفرد الشخصية هو هدف جدا مهم من أهداف استراتيجية التغيير والإصلاح لأنه يهدف إلى تحويل الشخص من لا شي إلى شخص متعلم مثقف مطلع طلق اللسان يملك أدوات ومهارات التفكير والتخطيط الحديثة بالإضافة إلى المهارات التقنية ، وما يلي يظهر بعض الطرق التي تساعد في إنجاز هذا الهدف :
تدوين الأفكار والأهداف والخطط : استخدم الورقة والقلم لان التنظيم أساس النجاح، وأن الإنسان لكي يكون ناجحا في مختلف نواحي حياته ينبغي أن يعمل على التخطيط والتنظيم واستخدام المفكرة الورقية أو الإلكترونية لتدوين برنامج عمله والأنشطة التي يقوم بها وما يتطلبه يوميا.لذا من الضروري تدوين الأفكار والخطط والأهداف على الورق.. ومن دون ذلك تعتبر مجرد أفكار عابرة سرعان ما تنسى. على سبيل الموظف الناجح هو من يكتب ويدون أفكاره ومهامه في العمل كل صباح وكم وقت يحتاج لإنجاز كل مهمة .
 القراءة والمطالعة المستمرة : القراءة عادة حسنة ، فهي غذاء الروح والعقل والقراءات تتعدد أسبابها فرجل يقرأ كي يتعلم فك شفرة، ورجل يقرأ كي يتمكن من إمضاء ورقة، ورجل يقرأ ليتسلق من مرتبة إلى مرتبة، وأخر ليكون للناس الحجة ورجل يقرأ ليحصل على فائدة وعبرة، ورجل يقرأ لأن الناس تقرأ . كذلك ليست العبرة بكم القراءة ولكن بالكيف وبقدرة الشخص العقلية على الاستيعاب وتوظيف قراءاته وغربلتها داخل نفسه والخروج برؤيته وصوته الخاص دون أن يكون بوقا لأصوات الآخرين وعموما يمكن القول بأن للقراءة شروطها وطقوسها الخاصة ، لكن أهم شي لابد من ترجمة كل قراءة مفيدة بسلوك وفعل حسن ومفيد لأننا نرى بعض الأشخاص ليست لهم علاقة بالثقافة من حيث السلوك ما معناه أن يختزن الإنسان كما كبيرا من المعلومات وقاموسا من الألفاظ والتعابير وهو في المقابل لم يصهر سلوكه مع قراءاته ومعلوماته أي لم تأثر القراءة في سلوكه وأفعاله.
الدراسة والتعلم : العلم من أهم المطالب في حياة الفرد، فبالعلم تسلم قناعات الفرد ، وتصح علاقته مع ربه ، ويصبح الإنسان على بينة من أمر الدين والدنيا ، ومن ذلك كان لابد من التأكيد على أهمية العلم والتعلم في حياة الفرد ، بحيث يحصل كل فرد من أفراد المجتمع على ثقافة واسعة ومنوعة لتصل به إلى أعلى مستوى من العلم والمعرفة.والعلم له صور متعددة مثل التعليم الاكاديمي او التعليم الذاتي.
التفكير دائما بالمستقبل بشكل ايجابي : التفكير بالمستقبل والخوف منه هو مشاعر طبيعية لدى الإنسان وبدونها يفقد الإنسان بعض الدافع النفسي لحماية نفسه من المخاطر وغيرها ، ولكن يجب ألا يكون هذا الخوف والتفكير بشكل سلبي وبشكل كبيراً جداً أو أن يتعدى الحد المعقول له ، والتفكير السلبي بشكل دقيق هو أن توجد أفكار في مخيلة الفرد تعكر عليه وتسبب له العديد من عسر المزاج والقلق الدائم
 أما كيف يفكر الإنسان بطريقة ايجابية فعليه أولا أن يؤمن إيمانا مطلقا بأن ما يقع عليه هو مقدر ومكتوب من عند الله ، وأن الله سبحانه وتعالى مقسم الأرزاق وهو على كل شي قدير، وعلى الفرد دائما التوكل على الله فإذا أصابته سراء شكر الله سبحانه وإن أصابته ضراء صبر على قدر الله، وهذا يدفع المرء لان يتوكل ويسلم الأمور إلى الله سبحانه وتعالى وان يحكم الواقع في تفكيره ونظرته للحياة وان يزرع في نفسه الأمل والتفاؤل بشكل دائم.
 فهذه المؤلفة الأمريكية روندا برايت تؤكد في كتابها الشهير السر إن حياتنا من صنع تفكيرنا وإذا أراد الفرد ان يكون ناجح في عمله وسعيد في حياته الأسرية فإنه يستطيع ان يرسل كل الإشارات لذهنه بأن يكون كذلك وينظر إلى أي إخفاق أو سلبيات في حياته علي أنه مدخل للتحسن الدائم والاستفادة من الأخطاء وليس وسيلة للإحباط والانهزام‏..‏ فالتفكير الايجابي يمنحه التفاؤل الدائم وتقبل الأشياء‏..‏ وبالتالي يكون الفرد شخصية ايجابية لأفراد أسرته والمحيطين به.‏
تطوير القدرات الذهنية : دماغ الإنسان يعمل باستمرار كذلك عقله لا يفتأ يبحث عن مسألة يحلها أو قضية يعالجها لأنه دائم الحركة فإذا لم نوجه حركته يخضع خضوعا أعمى لمخيلة لا ضابط لها وربما يقع فريسة الأحلام والخرافات وأحلام اليقضة ، لذا فأن التطوير الفكري له دور كبير في تطوير الإنسان وتغييره للأفضل فقد أفادت الأبحاث أن النشاطات الذهنية التي تمرن الدماغ مثل القراءة أظهرت تحسن في أداء الدماغ عند الأشخاص في منتصف العمر. كذلك أظهرت الأبحاث أن الأشخاص متوسطي العمر الذين يمارسون النشاطات الفكرية يتمتعون بذهن متقد أكثر من الأشخاص الذين يمارسون نشاطات بدنية مثل الزراعة أو الأعمال المنزلية.
لذا فأن تطوير القدرات العقلية مهم في عملية التغيير والإصلاح لدى الفرد وهو يؤدي لزيادة الثقة الشخصية والتحسن في تطوير وتحسين الأداء في مختلف الأنشطة لكن هناك عوامل تؤثر في قصور الذهن لابد من أخذها في الاعتبار في عملية تقوية القدرات الذهنية وهي : مدى الثقافة ومستوى التحصيل العلمي وكذلك نوع العمل الذي يمارسه الشخص اما عن تطوير القدرات الذهنية للفرد فيتم من خلال جوانب عدة مثل:كيفية تخزين المعلومات ، تقوية الذاكرة ، حفظ الأرقام ، تعلم القراءة بطريقة سريعة ومفيدة وهنك في المقابل عدة مهام يمكن من خلالها الفرد تأديتها من اجل أداء أحسن في حياته وهي كالتالي  تنشيط الذهن : التركيز على القراء ومطالعة الصحف والكتب ،  تناول الغذاء المتنوع: تناول الغذاء الصحي المتنوع الذي يمد الجسم باحتياجاته المختلف والذي يحافظ على صحة وحيوية الجسم. النوم لساعات كافية لان اللعب وقلة النوم والتوتر وغير ذلك من العوامل تؤثر سلبا على القدرات الذهنية ووظائف الدماغ.  الابتعاد عن مصادر التوتر والانفعالات والعمل على المحافظة على الهدوء وضبط النفس من أجل صحة أفضل. - ممارسة التمارين الذهنية والألغاز مثلا :اقرأ هذه المجموعة من الأعداد : 7-1-24-22-8-47-5-19-2-58-4-69-83-73-9-13 بعد ذلك اقلب الصفحة و ردد أكبر عدد ممكن منها ، يمكن للإنسان وسطيا أن يسترجع بين 5 و 9 أعداد. .
من أهم مكتسبات استراتيجية التغيير والإصلاح هو امتلاك الفرد مجموعة الأخلاقيات التي تلعب دور مهم في استقامته وانضباطه وترفعه عن الصغائر وتبدل نظرة وتعامل الناس معه، ثم هي تسير به إلى الكمالات المعنوية التي بدورها تساهم في سعادته في الدنيا والآخرة (قال أكثر الفلاسفة والعلماء القدماء والمحدثين بأن الأخلاقيات الفاضلة من الأركان الرئيسية في بناء السعادة وبأنها قاعدة للرفعة وللتكامل المادي والمعنوي).
 في المقابل فأن النقاط التالية تبين عدد من الفوائد والنتائج التي يسعد بها الفرد كنتيجة طبيعية لتطبيق أساليب وطرق الإصلاح والتغيير ، فهذه الفوائد والنتائج المتعددة هي تتمثل كما يلي :
1-    إزالة الترسبات النفسية، والأخلاقيات الدنيئة من الأحقاد والضغائن والحسد والكبر والحرص في النفس الإنسانية .
2-    اكتساب الأخلاقيات الجميلة كالصدق والأمانة والمسؤولية والإخلاص.
3-    إعطاء حقوق الآخرين وإصلاح أخطاء الفرد السابقة مع الناس.
4-    كثرة العبادة وتصفية النية في كل عمل لله وحده
5-    الاتصال الدائم مع الناس وحب الخير لهم والتعامل معهم على مبدأ الإحسان.
6-    تصحيح المعتقدات الفكرية التي عادة ما يقتبسها الأفراد من مجتمعاتهم من دون التدبر والتأمل في صحتها أو سقمها.
7-    جعل قضية بناء المستقبل وصنع التقدم والتحسن في الحياة أهم قضية في حياة الفرد
8-    تكوين ثقافة ومعرفة واسعة في مختلف جوانب الحياة.
9-    صنع التحدي بحيث يضع الفرد أهداف لكل مرحلة من مراحل الحياة والانتقال من هدف لأخر بعد تحقيقه مع تخطيط جيد واجتهاد لتنفيذ كل هدف وكل هذا يتطلب تطوّير الإمكانيات الذاتية لدى الفرد بشكل مدروس ومستمر.
امتلاك المرونة العالية في التفكير والسلوك حتى تكون لدى الفرد سيطرة وتحكم أكبر في الأوضاع والضغوط الصعبة التي يواجها .
11-تحويل الشخص السلبي غير الفاعل إلى شخص ايجابي ومنتج له دور حقيقي وبناء في المجتمع.
12- خلق لدى الفرد القدرة على التفاعل مع الآخرين والتواصل معهم بفاعلية
13- الوصول الى مفاتيح التفوق والنجاح فى الحياة العملية والاجتماعية والعلمية..
 14- الرجوع إلى الدين الإسلامي ففيه الكثير من المبادئ والقيم التي تشجع على الأخلاق الحميدة والتراحم والتعاون وتخفيف ألام الآخرين وتدريب الفرد من اجل أن يصبح له دور فاعل ومؤثر وايجابي في مجتمعه ووطنه.
لابد من التذكير على أهمية أن يكون التغيير والإصلاح المنشود تغيير من أجل الدنيا والآخرة وليس تغيير دنيوي كما هو حاصل عند بعض الناس ، ولو أخذنا على سبيل المثال في الغرب أوروبا وأمريكا فأن الحياة هناك قائمة على الكفاح من أجل الوصول الى المادة وتحقيق اكبر قدر من المال دون الاهتمام بتنمية وتطوير الجوانب النفسية والروحية وتنمية إحساس الارتباط بين العبد وخالقه من اجل هذه الغاية يصف ديل كارينجي صاحب كتاب " دع القلق وابدأ الحياة" هذا السعار الرهيب وما نتج عنه في النفوس من قلق واضطراب فيقول : " عشت في نيويورك أكثر من سبع وثلاثين سنة فلم يحدث أن طرق أحد بابي ليحذرني من مرض يدعى القلق هذا المرض الذي سبب في الأعوام السبعة والثلاثين الماضية من الخسائر أكثر مما سببه الجدري بعشرة آلاف ضعف ، نعم لم يطرق أحد بابي ليحذرني أن شخصا من كل عشرة أشخاص من سكان أمريكيا معرض للإصابة بانهيار عصبي مرجعه في أغلب الأحيان إلى القلق " ، إذا التغيير والإصلاح الذي تتطلع النفوس إليه يشمل الجانبين المعنوي والمادي كذلك هذا تغيير يجعل الدنيا وسيلة للوصول إلى السعادة النهائية في الآخرة وليست كسب الدنيا وخسارة الآخرة ورضا الله.
أخيرا إذا تحققت عملية التغيير والإصلاح في التجربة الفردية بنجاح فأن ذلك سوف ينعكس على المجتمع لتصبح حالة عامة تشمل كامل قطاعات المجتمع، وهذا يعتبر الخطوة الأولى لهذا المجتمع نحو تحقيق أهدافه والقضاء على معوقات نجاحه وسببا لصلاح شريحة كبيرة منه فالناس سوف تعتبره ذلك الفرد قدوة وسوف تتأسى بأخلاقه وسلوكه الفاضل .

المراجع

odabasham.net

التصانيف

أدب  مجتمع