تشير نية الحكومة بإجراء ما سمي بالمسح الدولي لأعداد العراقيين المقيمين في الأردن من خلال مؤسسة نرويجية الى احتمالين؛ إما أن يكون الاجراء إدراكا متأخراً لمصدر قلق كان راكدا طوال الفترة الماضية، وأخذت تظهر تأثيراته في هذا الوقت على المستويات الأمنية والاقتصادية والبنية الاجتماعية التي باتت تهدد بتغيير الشخصية الديمغرافية لمدينة مثل عمان بأكملها، أو انه محاولة لركوب موجة الشفافية على المستوى الدولي قد تفسر بالحاجة إلى الحصول على مساعدات دولية للمساعدة في تحمل العبء الاقتصادي الناتج عن تواجد أعداد كبيرة من العراقيين، في الوقت الذي غابت فيه الشفافية والمعلومات الموثقة حول هذا الموضوع.
المسألة تتعدى التضامن الرسمي والشعبي مع الشعب العراقي والوقوف الى جانبه في المحنة التي يمر بها، فالتقاعس أو الخجل من مناقشة هذه المسألة لا يخدمان القضية العراقية ولا حقوق العراقيين في الخارج، ولا ينتقصان من قيمة الدور الأردني الشعبي والرسمي من جهة، وهو أمر يتجاوز في بلد يعاني من اختلالات عديدة وعميقة في بنيته الاقتصادية وفي تشابك مصادر التهديد الساكنة والمتحركة حدود التضامن، ويطرح أسئلة غاية في الخطورة والدهشة من جهة أخرى.
آن الوقت لمغادرة الصمت الرسمي المدني عن مناقشة هذه القضية بجرأة بعيداً عن ديوان الإنشاء و"أخلاق الفرسان"، فلقد أضاعت هذه اللغة أوطاناً وشوهت الكثير من القضايا، فالتضامن الحقيقي والمساندة الجادة تنطلق من مواجهة الحقائق كما هي، وتتجسد من خلال التصرف الواقعي والعقلاني من خلال الإمكانيات المتاحة، وقبل هذا وذاك بما يخدم المصالح الوطنية والقضية العراقية حيث لا يوجد تعارض في المصالح بين الأمرين.
يشكل عدد العراقيين النازحين الى الدول العربية، حسب تقارير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، حوالي (6%) من سكان العراق أي بواقع (1.9) مليون نسمة حوالي نصفهم حسب معدل التقديرات يوجد في الأردن وحده، بينما تكرمت دولة الاحتلال الولايات المتحدة وسبب مصائب العراقيين بالموافقة على استقبال عشرين ألف لاجئ عراقي، في الوقت الذي ترفض السلطات الرسمية إطلاق صفة اللجوء على هذه الأعداد وتقسمهم الى ألف لاجئ فقط معترف بهم رسمياً أو طالبي لجوء ومقيمين بصفة شرعية، وأعداد أخرى غير معروفة من المقيمين بصفة غير شرعية.
ان استمرار المدارة والتعامل الخجل مع أحوال العراقيين في الأردن، يسهم، بطريقة أو أخرى، في استمرار تقاعس المجتمع الدولي وتجاهله لمشكلة أوضاع العراقيين في خارج وطنهم، والأعباء التي تتحملها بسبب نزوحهم البلدان المستضيفة. ويدل على ذلك حجم طموح مفوضية اللاجئين في سعيها للحصول على (60) مليون دولار لتمويل عملها من أجل مساعدة أكثر من ثلاثة ملايين عراقي يحتمل ان يغادورا البلاد نحو الدول المجاورة في أي لحظة، ولم تحصل من هذا المبلغ سوى على ثمانية ملايين دولار.
مواقف أردنية واضحة - حول أوضاع العراقيين في المملكة وإجراءات مؤسسية شفافة- هي الخدمة الحقيقية للأشقاء في محنتهم. ولا يوجد أدنى شك بضرورة أن تعبر هذه الإجراءات عن المصالح الأردنية بوضوح، والتي تلتقي في جوهرها مع مصالح الشعب العراقي، في المقابل فان التعامل بالغمز واللمز والإنشاء السياسي لن يخدم سوى مراكز قوى هنا وهناك، استطاعت ان تجني امتيازات ومصالح حققتها من بقاء الحال كما هو عليه. بينما إذا كان المعيار الاقتصادي هو الفيصل، وهو ليس كذلك، فمن المفترض ان الزيادة السكانية يقابلها زيادة في النمو الاقتصادي التراكمي يجب ان تتجاوز في الحالة الأردنية 20% خلال العامين الماضيين.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد