كلنا نتابع ما يجري في مصر الشقيقة، وكلنا يملك موقفا منحازا للحرية والإصلاح ورفع الظلم عن الناس، وكلنا منحاز إلى إصلاحات في كل مكان ترفع مستوى معيشة الناس وتجد الحلول لمشكلاتهم اليومية من فقر وبطالة، وإلى جانب كل هذا الذي لا خلاف عليه هنالك جانب لا يقل عن كل ما سبق، وهو الحياة الطبيعية الآمنة التي يستطيع من خلالها كل منا أن يخرج من بيته آمنا على نفسه ومطمئنا على أهله وعمله وسيارته.
وكل عربي قضى ساعات طويلة كل يوم أمام شاشات الفضائيات ربما سقطت الدموع من عينيه وهو يسمع استغاثات النساء والرجال من الأشقاء يبحثون عن رجل شرطة أو دبابة عسكرية يشعر معها الإنسان بالأمان على زوجته وأطفاله من فوضى ظاهرها وجود اللصوص وأصحاب السوابق لكن جوهرها غياب الدولة والسلطة والقانون، ولهذا احتاج الناس إلى أن يجدوا البديل الأولي البسيط وهو أن يحمل كل منهم عصى أو سكينا يدافع عن نفسه وأطفاله.
ومساء أمس كنا مع مشهد أكثر ألما حينما اشتبك الناس وتبادلوا الضرب وقذف الحجارة وأشياء أخرى، وكل شخص منهم عليه حماية نفسه حتى لو كان على حساب دماء مصرية أخرى، وحين يعود أبناء "المعسكرين" كل إلى بيته يبحث عما بقي في جسده من قوة ليقف فيها على باب عمارته وغرفة نوم زوجته خوفا من سجين هارب أو باحث عن غنيمة في زحمة ضياع الدولة.
الدولة ليست الأشخاص فحسب، لكنها حالة التوافق الوطني على الالتزام بالقانون والاحتكام إلى الدستور واحترام المؤسسات، والدولة بتعريفها العملي حياة طبيعية وحرية كل منا في الانتقال والتعليم والسير في الشارع، وشعور كل منا بالأمان على نفسه، والدولة حين تغيب لا قيمة للمال ولا الجاه لأنك لا تستطيع إنفاق ما تملك ولا ممارسة الاعتداد بالجاه.
ونحن نشاهد ما يجري في مصر العربية نتذكر مشهدا جزئيا عندما كانت تفجيرات عمان الإرهابية، يومها خرج الأردنيون في مسيرات لا تندد بالعنف والقتل فقط ولكن دفاعا عن الحياة الطبيعية وحق كل أردني في أن يأمن على طفله في مدرسته، وأن يأمن على حياته وهو في مطعم أو شارع أو حتى وهو في المسجد يصلي لله تعالى. ونحمد الله أنها كانت حالة مؤقتة وأن قوة الدولة ووعي الأردنيين كانا أكبر من تلك اللحظات الصعبة.
يتذكر العرب جميعا درسا قاسيا عاشه الأشقاء العراقيون عندما غابت الدولة وانهارت بعد الغزو الأميركي وفقدوا حقهم في الحياة الطبيعية، فكان الموت في كل مكان، وحيثما يكون الموت تغيب الحياة.
الدولة القوية تعني الاستقرار والأمن والحياة الطبيعية، لكن العدل وحسن الإدارة والعلاقة السوية بين مفردات الدولة شروط لا غنى عنها لقوة الدولة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   صحافة  سميح المعايطة