تستحق الأمم المتحدة ومفوضيتها العليا للاجئين الشكر والثناء على اشادتها بما أسمته "كرم الأردن" مع اللاجئين العراقيين، وهذا الشكر والامتنان مرده عدة اعتبارات؛ أولا، المفوضية العليا للاجئين ليست هي المعنية بالإشادة بما أسمته "كرم الأردن" أو شكرنا على الالتزامات القومية في حدود الواجبات والمصالح المتبادلة المشتركة التي يعرفها الأردن والأردنيون جيداَ، وثانيا، تستحق المفوضية العليا للاجئين كل الشكر على تذكرها أحوال ما يزيد على مليونين من النازحين العراقيين ومعاناتهم بعد مرور أربع سنوات على احتلال بلادهم، والشكر الموصول أيضاَ لتذكرها "كرم الأردن" واعترافها أن أزمة النزوح العراقي أكبر أزمة لاجئين منذ عام 1948 شهدتها المنطقة، دون أن تنسى أن كل أزمات اللجوء في الشرق الأوسط المعاصر قد دفع ثمنها الأردن، وثالثا،َ تستحق المفوضية العليا الشكر على الوصف الإنشائي الجميل الذي وصفت به سخاء الأردن أو "كرم الأردن" الذي نملك منه الكثير.
لسنا بحاجة في كل مرة إلى التأكيد بأن العراقيين أشقاء ولهم كل الحق بأن يقاسموا الأردنيين، ولعل ما لمسه العراقيون طيلة السنوات الماضية قد جسّد هذه المعاني بالأفعال وليس بالأقوال، ونحن لسنا بحاجة إلى من يستخرج لنا شهادة حسن تعامل مع العراقيين أو غيرهم، بل إنّ المسألة تتجسد في إحدى زواياها المهمة بحقوق العراقيين أنفسهم باعتبارهم ضحية نزوح قسري أو شبه قسري جراء عملية احتلال بالقوة العسكرية، وابسط هذه الحقوق ما يجب أن يتحمله المجتمع الدولي من التزامات مادية ومساعدات تمكن هؤلاء النازحين من احتمال ظروفهم الجديدة.
المسألة بالنسبة للأردن أكبر مما يروج له هذه الأيام، ومن السذاجة حصرها بمساعدات دولية يمكن أن يحصل عليها الأردن لتخفيف أعباء الضغوط الاقتصادية التي أوجدتها زيادة سكانية قسرية خلال ثلاث سنوات أو أكثر بقليل تجاوزت 20% من حجم سكان الدولة. فالتقاعس أو تأجيل مناقشة هذه المسألة لا يخدمان القضية العراقية ولا حقوق العراقيين في الخارج، ولا ينتقصان من قيمة الدور الأردني الشعبي والرسمي من جهة، فهو يتجاوز حدود التضامن ويطرح أسئلة غاية في الخطورة والدهشة في بلد يعاني من اختلالات عديدة وعميقة في بنيته الاقتصادية وفي تشابك مصادر التهديد الساكنة والمتحركة.
ومن التبسيط السياسي أيضاَ أن يبقى صانع القرار الأردني بانتظار تقارير المؤسسة النرويجية المكلفة بإحصاء أعداد العراقيين في الأردن وتحديد خصائصهم وأحوالهم، أو أن تعلق كل المطالب على مؤتمر جنيف المزمع عقده في جنيف في شهر أيار المقبل، وحصر قضية اللاجئين في مسألة المساعدات الدولية وإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء وتكرار أخطاء إستراتيجية ما يزال الأردن يعاني من آثارها.
أزمة اللاجئين العراقيين في الأردن تحتاج الى عقلانية سياسية وشفافية عالية تقدم إجابات شافية واضحة في إدارة ثلاث قضايا أساسية في هذا الملف؛ أولها، التعريف القانوني لأوضاع هذه الكتلة السكانية المفاجئة والطارئة على المستوى المحلي الأردني والطريقة التي من المفترض أن يتم التعامل من خلالها على المستوى الدولي مع هذه القضية، ثانيها التوقف أمام البعد الاجتماعي الديمغرافي الذي يضيف المزيد من التعقيد على الهوية الديمغرافية المحلية ويدفعها نحو المزيد من الاختلالات، وثالثها الإقلاع عن التبسيط في التناول الاقتصادي لأزمة اللاجئين العراقيين؛ إن كان الأمر فيما يتعلق بالتفسير الذي طالما تحدث عن قيمة مضافة هائلة للاستثمارات والأموال التي يقال إنها تدفقت على البلاد، أو التفسير الذي يختصر هذه الأزمة في الضغط على الموارد وعلى الكلف المترتبة على استخدام المرافق الخدمية والصحية أو عشرات الآلاف من التلاميذ الذين يجب أن يذهبوا إلى المدارس والتغافل عن المعنى الاجتماعي الخاص باقتصاديات الكتلة السكانية الجديدة، وحجم الاختلال الذي لحق بمقاييس القيمة العادلة في السوق التي يعرفها الاقتصاديون جيدا.
العراقيون خارج وطنهم ضحية احتلال عسكري جائر واستمرار أوضاعهم نتيجة علاقات دولية ظالمة، والصمت على هذه الأوضاع يسهم في استمرار وتفاقم هذه الأوضاع التي يدفعون ثمنها هم والمجتمعات المضيفة على حد سواء.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد