مع ازدياد نمو الحراك الاجتماعي والسياسي استعداداً لموسم الانتخابات البلدية والنيابية القادمة تزداد مظاهر تحويل السياسة المحلية الى مجرد فرجة سياسية تحت عناوين عريضة وفاقعة حول المشاركة ودمج الناس في العمل السياسي وحقوق فئات بعينها، في الوقت الذي لا يمارس فيه هؤلاء الناس أكثر من الاستمتاع الكسول بفرجة مجانية لا طائل ولا فائدة منها، حينما تكون مجرد فرجة.
أبطال مشهد الفرجة السياسية يأتون من كل صوب وحدب من المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني ومن خلف كواليس العاصمة والمدن والقرى، وأهم مظاهرها الاستعراض في الحملات الدعائية وحملات العلاقات العامة والإثارة وفنون كسب الود أو افتعال الأزمات وأحيانا إحياء معارك عمرها عشرة قرون، حيث تتحول الساسية الى مجرد فرجة درامية من دون مضمون حقيقي أو أهداف واضحة ولا تخدم أكثر من تكريس الأوضاع القائمة وإعادة إنتاجها، تتحول السياسة الى مجرد فرجة لتفريغ الكبت ومشاعر النقمة ويتحول طموح الناس في المشاركة والنضال من أجل حياة أفضل، الى كفاح من أجل حقهم في الفرجة السياسية، وبذلك يصبح الحراك السياسي الانتخابي مجرد صورة كاريكاتورية مضحكة وبائسة في نفس الوقت لأنماط إعاقة المشاركة السياسية وتفعيلها.
للفرجة السياسية الانتخابية سياقها الدرامي المثير من العروض الانتخابية الليلية في ابسط أشكالها الى التداخلات الجراحية لمؤسسات المجتمع المدني في حملات التحريض والشد والتعبئة، وهنا يتم الخلط بين أشكال متعددة من فنون وأنماط الإعلام الانتخابي والدعاية الانتخابية، وكل منهما يعد حقا للجهات المستفيدة، كما هو حقا لجمهورها المستهدف، واهم أشكال هذا الخلط يبرز حينما تتحول هذه الأنشطة الى أدوات لتشويه وعي الناس وقلب أولوياتهم رأسا على عقب وتحويل حقهم الطبيعي والقانوني في المشاركة السياسية والمجتمعية الى مجرد حقهم في الفرجة، أي الى مجرد ذوات سلبية غير فاعلة تقاد الى المزيد من الاغتراب وتساق نحو المزيد من الاسترخاء السلبي، والاستسلام بأعصاب منهكة للفرجة السياسية.
للفرجة السياسية سياقها الدرامي المثير والممتع أيضا، والفرجة ذات صلة حميمة بالعرض وتقنياته التي قد تكون بدائية وقد تحشد أعلى درجات التعقيد، فكثيرا ما نَصف الواقع السياسي بالمشهد السياسي أو المسرح السياسي، وآخر أوصاف مجتمعات موجة ما بعد الحداثة بأنها مجتمعات الإنتاج الناعم والفرجة، وليست مجتمعات الفرجة والاستهلاك.
المقصود ألا تتحول جهودنا في تهيئة الناس للمشاركة الانتخابية الى مجرد تكريس للثقافة الاحتفالية، دون ان تثمر هذه المواسم وتستثمر في سياق إحداث تغيرات مجتمعية حقيقية في وعي الناس وفي ممارستهم للمشاركة السياسية والتنموية في إطارها العام. تتحول المشاركة حينما تفرغ من مضمونها الحقيقي الى عبء وطني اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وبعد قليل سوف تتحول الى عبء نفسي وثقافي حيث لا يمكن أن يُستمر في التمثيل على الناس الى الأبد، فإلى جانب حجم الإهدار الذي يمارس في هذا السلوك المؤسسي والجماعي من دون جدوى، فإن المؤسسات تعمل على خلق ثقافة مقاومة للمشاركة حينما يصل الى إدراك الناس عدم جدوى حضورهم، وان ما يمارسونه مجرد شكل من دون مضمون، وبالتالي فإنهم لا يمكن ان يبقوا متفرجين الى الأبد.
وفي الواقع يذهب جانب مهم من فلسفة المشاركة بأبعادها السياسية والتنموية نحو تمكين القواعد الاجتماعية والفئات المستهدفة من رفع مستوى معارفهم وتمكينهم من القدرة السياسية للتأثير فيما يستهدفهم من دون إقصاء، وبضمان التدفق والتبادل الحر للمعلومات والأفكار.
إن الحلقة المفقودة في النماذج الأولية للمشاركة في الحالة الأردنية تتضح من خلال مراجعة تراث من عدم الثقة المتبادل بين صانع القرار التنموي والقواعد الشعبية، حالة عدم الثقة تمتد بسرعة وبكثافة لتلون العلاقة أيضا بين تلك القواعد الاجتماعية والمجتمع المدني بمؤسساته وشخوصه.
فالتكنقراط الحكومي يفهم المشاركة بأنها ستأتي بخبرات منظمة وإضافات جديدة لهذا يتعامل مع البعد الشعبي بنوع من لزوم ما لا لزوم له لأنه على ثقة مسبقا بأن القواعد الشعبية لا تملك القدرة على تقديم خبرات منظمة ونلمس ذلك في الغمز للمقارنة بين كفاءة رؤساء البلديات المعينين مقارنة بالمنتخبين، بينما تثبت الوقائع ان قصة المشاركة قد تحولت لدى العديد من فعاليات المجتمع المدني الى باب للارتزاق وصناعة النجوم، وربما استعراض الرجل الوحيد على خشبة مسرح فارغة.
في المقابل ما تزال القواعد الشعبية تفتقد الرغبة في المشاركة لأنها لم تتعود أن ترى آثارا إيجابية ومردودا ينعكس في الواقع على مشاركتها. فكما هي المواسم الانتخابية مناسبات للاستعراض والفرجة السياسية، يمكن ان تكون فرصة ثمينة لا تتكرر سوى كل أربع سنوات مرة؛ لخلق قيم سياسية كبرى والتوافق حولها، وهي فرصة للحفاظ على حدود معقولة من التعريف المشترك للمصالح الوطنية، وفرصة لتدشين ملامح أخرى لثقافة سياسية جديدة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد