لا يمكن للجنة الحوار الوطني بتركيبتها الحالية وكل ما لاحقها من ملاحظات وبالطريقة التي هي عليها الآن، أن تحمل قضية التعديلات الدستورية ولا حتى مناقشتها. فيكفي اللجنة أن تنجز ما هو مطلوب منها، وأن تدير حوارا جادا وعلميا وفعليا مع الأردنيين، ثم تقوم بصياغة محصلة ما يريده الناس على صعيد قانوني الانتخاب والأحزاب وتقديم هذه الصياغة خلال المدة المحددة وهي ثلاثة أشهر تمضي يوما بعد يوم.
أما التعديلات الدستورية، فإذا كان توجه الدولة أن تفتح حوارا حولها فإن هذا يحتاج إلى لجنة وإطار مختلفين من حيث التركيبة والتخصص، بحيث لا تكون ذات طابع تمثيل تفصيلي أو تأتي على قاعدة المحاصصة السياسية بين قوى وأحزاب.
إدارة حوار حول التعديلات الدستورية ثم صياغة هذه التعديلات بشكل علمي، تحتاجان إلى مرجعية من أهل الخبرة والكفاءة في الفقه الدستوري، من جهة، تضاف إليها مرجعيات سياسية ذات خبرة طويلة ومعايشة لتاريخ الدولة، وكيف ولماذا تمت التعديلات الدستورية السابقة، وما بقي منها، والظروف السياسية التي تقف وراء كل تعديل. وهذا لا يتحقق بقراءة بحث أو مقال عن كل هذا، بل نحتاج إلى مخزون الحكمة في تقدير التعديلات التي يمكن أن نتحاور حولها.
هنالك تعديلات مقترحة يمكن أن تساهم في تعزيز الفصل بين السلطات وتقوية المؤسسات الدستورية، وهناك أيضا حديث من قلة يتم تقديمه على أنه إصلاح لكنه يؤدي إلى التأثير سلبا على عوامل الاتزان في إدارة أمور الدولة، وربما تكون وصفة لشقاق وخلاف وطني بعيد ولا يحمل أي خدمة للإصلاح.
إذا كان هنالك توجه للحديث والحوار حول تعديلات دستورية، فإن الأمر يحتاج إلى مرجعية من نوع مختلف، ولجنة بتركيبة خبرة نوعية وصيغة فنية لا علاقة لها بتمثيل فرعي تفصيلي يكون على حساب القدرة. ومناقشة أي تعديلات دستورية لا يحتاج إلى لجنة من عشرات الأعضاء، ولا لجنة تحتاج إلى كل مخزون خبرتها حتى تنجز ما عليها من واجبات على صعيد قانون الانتخاب الجدلي، والذي قد يمثل مفتاحا للإصلاح أو مصدر قلق وإثارة مخاوف وفتح باب جدل جديد قد لا يكون مصدره الأحزاب بل قوى اجتماعية أخرى.
عندما قرر الأشقاء في مصر تقديم تعديلات دستورية، تم اختيار لجنة برئاسة مستشار من أكبر فقهاء الدستور ومعه عدد قليل من المرجعيات في ذات الاتجاه، ثم تم المسار نحو الناس. والفكرة أن موضوع الدستور ليس مثل أي نقاش، وبخاصة أننا في المراحل الأخيرة شهدنا من البعض حديثا يحتاج إلى تدقيق علمي فيما يخص الدستور. وربما ننسى أن الدستور علم وفقه وتخصص ومخزون خبرة، وليس مثل أي نقاش عام يتم في أي مكان.
هنالك فرق بين الحديث السياسي العام وبين نقاش قضايا تخصصية لها فقهاء وعلماء مثل الدستور. وإذا أردنا أن نفتح بابا لنقاش دستوري، فلنعط الأمر لأهله.
المراجع
ammannet.net
التصانيف
جريدة الغد صحافة سميح المعايطة العلوم الاجتماعية