لا نحتاج إلى شهرين حتى تقدم الحكومة لجلالة الملك استراتيجية لإصلاح الإعلام، لأن لدينا في الأردن جملة من الرؤى والخطط والاستراتيجيات الممتازة التي تم إعدادها سابقا، لكنها لم تجد طريقا للتطبيق، وفي مقدمتها الرؤية التي قدمها الملك شخصيا إلى المجلس الأعلى للإعلام قبل سنوات طويلة. ولم تكن المشكلة في المجلس، بل في غياب الرؤية لدى الدولة في ملف الإعلام.
قليل من الترتيب والبحث سيجعل لدى الحكومة استراتيجية جيدة، لكن المهم هو الإجراءات والقرارات والإدارة اليومية للإعلام. وإذا أخذت الحكومة كامل الوقت في إعداد الاستراتيجية، فإن مسافة الشهرين لن تنتظر في جملة من المسارات الضاغطة والتي تحتاج الحكومة أن ترسل فيها رسائل إصلاحية واضحة وإيجابية من دون أي خطأ. ولعلي أشير إلى بعض الأمور، منها:
• إن أهم ما هو مطلوب ولا ينتظر إلى ما بعد الاستراتيجية، ترتيب المؤسسات الإعلامية الرسمية من حيث هرمها القيادي ومنهجية العمل. فكل استراتيجيات الدنيا لن تُصلح إعلاما إذا لم تكن قياداته إصلاحية مهنية قوية، بدل أن يكون ترتيب القيادات على قاعدة أن "فلانا محسوب على فلان"، أو أن "فلانا بلا وظيفة، وقد كان من أهل المواقع سابقا".
المطلوب إرسال رسالة لا تحتمل التأويل على صعيد ترتيب قيادات الإعلام الرسمي وشبه الرسمي على صعيد مجالس الإدارات والمديرين وقادة العمل المهني. فالناس لا يقرأون ورقا، وكل استراتيجيات الدنيا لن تستطيع ضخ القوة والمهنية والحرية في مسؤول نقوم بتسليمه مؤسسة إعلامية وهو ليس أهلا لها.
• إننا نحتاج إلى وجود إدارة سياسية إصلاحية رفيعة للإعلام. هذه الإدارة تكون مرجعية لبناء المهنية، وتعزيز الحريات، وإعادة تمليك الدولة لأحد أهم أسلحتها.
• هنالك مشكلات في البنية التحتية لبعض المؤسسات، من حيث وجود بناء إداري خاطئ، أو ظلم يلحق بالموظفين مثل التلفزيون وغيره. وهناك مشكلات غير منظورة، لكنها كبرى، مثل البنية الهندسية والتقنية للتلفزيون؛ فأي إدارة تأتي لابد أن تكون قادرة على حل المشكلات الداخلية لأي مؤسسة قبل أن تبدأ بأي خطوة.
• إن الحريات ليست شعارات نرفعها، بل ثقافة وممارسة وسلوك. والخوف لدى الموظف مبرر لأن قيادة مؤسسته خائفة، ولأن الوزير خائف وبلا رؤية. ولهذا، فالمهنية ليست قرارا يصدر عن مجلس وزراء، أو بندا في استراتيجية، بل مسار متكامل مثل الديمقراطية. ولهذا، فإن الإصلاح يبدأ من أعلى هرم المسؤولية، فالمشكلة ليست في موظف أو صحافي.
• إذا عدنا إلى الاستراتيجية، فإن علينا أن نتخلص من شكليات نتوارثها. فمجالس الإدارة للمؤسسات الإعلامية لم تخدم فكرة الاستقلالية، لأن الوزير هو المرجع، فلماذا لا نعود إلى الوضع القديم من خلال وزارة إعلام؟ فلا علاقة للحريات بوجود الوزارة أو غيابها، لأنها عمليا موجودة، وعندما نكون جادين في صناعة إعلام مهني قوي، فلن تكون المشكلة في أن الوزير وزير دولة أو وزير إعلام، لأن كل ما جربناه في العقد الأخير لم يكن مجديا ولا علاقة له بالحريات.
نتمنى أن تكون المرحلة القادمة مدخلا جادا للإصلاح الإعلامي، لكننا لا نحب أن يظهر قرار ما يأخذ الأمور باتجاه آخر.

المراجع

الموسوعة الرقمية العربية

التصانيف

جريدة الغد   صحافة  سميح المعايطة   العلوم الاجتماعية