الأحداث غير العادية التي تمر بها أي دولة تمثل في أحد جوانبها وقفة مراجعة مهمة حتى لو كانت اضطرارية، وهي تمرين حقيقي "وبالذخيرة الحية " للدولة لاختبار جاهزيتها الادارية والسياسية والامنية، وايضا لاختبار العقل السياسي ومخزون التجربة والحكمة وحسن التصرف في تكوين الدولة.
والامر ليس خاصا بالجانب الرسمي للدولة، بل بكل الجهات التي تدخل المرحلة الطارئة؛ لان تفاعلها وتعاملها يكشف ايضا عن العمق من جهة وعن ثبات الخطاب والطروحات وما يسمى بالعقل الباطن أو الاهداف والامنيات التي تتعارض مع ما هو معلن، لكنها تحت تأثير حرارة الاحداث تخرج الى السطح وربما تصبح هي الوجه المعلن والحقيقي.
ونحن في الاردن تأثرنا بما جرى حولنا ودخلنا في مرحلة سياسية لم تخل من التوتر والتصعيد، وشهدنا مئات الفعاليات المطلبية والسياسية، وعشنا ومانزال مرحلة فيها جدل ومشاريع حلول، أي مرحلة غير عادية اضطرت معها الدولة الى خطوات كبيرة وتعامل خاص قاده حتى في تفاصيله جلالة الملك وتعامل مع كل الفعاليات مباشرة.
الدولة في هذه المرحلة اختبرت الكثير من اجهزتها وادواتها، وعاشت تجربة احتاجت فيها الى الاستعانة بتجارب رجالاتها وقادة مفاصلها، اختبرت قدراتهم السياسية والادارية واختبرت لدى البعض قوة علاقته بالدولة ومدى حرصه على ان يقدم ما يستطيع لخدمة الناس والدولة، واختبرت الدولة لدى جهات عديدة فيها عمقا في المجتمع كان البعض يدعيه او عمقا في الطرح وحكمة، وربما البعض ممن كانوا قادة الرخاء تراجعوا في المرحلة الحالية واعتبروا ان الصمت من ذهب. والبعض لم يستطيعوا ان يتخلصوا من "خلق" المناكفة وممارسات الصالونات التي يمكن احتمالها في مراحل أخرى ومارسوها في مراحل لاتحتمل الا الرأي الصادق والتعامل بدافع الحرص على المصلحة العامة بعيدا عن اي اعتبارات أخرى.
ما مضى من شهور وربما اسابيع اخرى قادمة سنبقى فيها في تعامل جاد لاستثمار المرحلة ايجابيا لخدمة نهج الاصلاح الحقيقي المنسجم مع مصالح وثوابت الدولة، لكنها تجربة مفيدة جدا وربما تكون الأولى بهذه التفاصيل في عهد الملك عبدالله. وهي تجربة أخرجت الكثير من الامور من باطن الارض الى ظاهرها، وكشفت مواقف حقيقية لجهات كانت تخفيها بدهاء وعبارات عامة، وقدمت لصاحب الامر تقييما لقدرة جهات عديدة على ادارة المراحل غير العادية، ووضعت رجالا في أحجامهم الحقيقية من دون تضخيم تصنعه البطولات المجانية او تحجيم للبعض نتيجة غياب الفرص او غيرها من الوسائل التي يعرفها أهل السياسة.
وفي الجانب الاخر هنالك ادارة متميزة وصادقة من جهات عديدة، واداء منهجي عبر عن انتماء عملي من اطراف واشخاص ومؤسسات، وفي المحصلة فان هنالك مشهدا كاملا امام صاحب القرار امتد عدة شهور، ولم يكن يجدي فيه لأي طرف ان يمارس أي إخفاء لقدرات ضعيفة او مواقف غير حقيقية او اي امور غير حقيقية.
ماجرى فرصة كبيرة للدولة للدخول في مرحلة تقييم جاد وعميق لاداء المؤسسات والاشخاص والقيادات وايضا للقدرات السياسية والحكمة والأدوات. وربما بعد حين نجد أمامنا مخرجات لهذه المراجعة بعد ظرف طبيعي وتجربة لا يجوز ان نتجاوزها من دون أن تكون نقطة انطلاق لمراحل نتجاوز فيها كل نقاط الضعف والخلل.

المراجع

الموسوعة الرقمية العربية

التصانيف

جريدة الغد   صحافة  سميح المعايطة   العلوم الاجتماعية