من بين الملامح الواضحة في إدارة أحوال الإقليم وفي ضوء مؤشرات منطق أزمات المنطقة وحروبها، فهذا الصيف سيمر بلا حروب، بعد مرور عام على حرب صيف العام الماضي، والتي توقفت عند نهاية مفتوحة ازدادت الرهانات حولها.
بعد عام على النهاية المفتوحة لحرب تموز الماضية، لم يتغير الكثير سوى استمرار قواعد اللعبة التقليدية وترسيخها، واستمرار الوصف المشوه للحراك داخل النظام العربي، بين الوصف القائم على فكرة انهيار هذا النظام وإنكار وجوده، أو القراءة المشوهة للتفاعلات الصراعية البينية وما تنطوي عليه من أنماط الاصطفافات التقليدية في نسخها الراهنة أو الجديدة، والسؤال المهم هل تحمل الصراعات والاصطفافات الجديدة روحا احيائية للإقليم بما فيه النظام العربي على عكس المتوقع، أم أنها مجرد حجر آخر يُرمى فوق جثة هامدة.
النهاية المفتوحة للحرب العدوانية على لبنان شكلت، وما تزال، أداة تحليلية مضافة لاستمرار إدارة الأمر الواقع للإقليم، فلا نتوقع ان نشهد سياسة مكثفة أو رصاصا ساخنا في مواجهات جديدة هذا الصيف، باستثناء احتمالات واردة لتمارين ساخنة من المتوقع ان يجريها باراك على سواحل غزة، بينما فتحت حرب تموز بابا آخر للحرب الباردة بين النظم والنخب العربية الحاكمة والثقافية أيضا، بعد ان قادت هذه الحرب في بداياتها واحدة من اعتى موجات الحرب الباردة العربية الجديدة.
لكن الجديد الذي يحتاج للتوقف عنده بعد عام على نهاية هذه الحرب هو الرغبة والإرادة السياسية والمجتمعية في البحث عن تقييم موضوعي لهذه الحرب، أي اننا لأول مرة نبحث في حسابات الخسائر والمكاسب بشكل تدخل فيه السياسة قبل العواطف حينما يتعلق الأمر بالمواجهة مع إسرائيل.
ان قراءة التحولات التي أخذت تنال التفاعلات الصراعية في المنطقة العربية يجب ان تتجاوز الأقنعة والمساحيق السياسية المنتشرة بكثرة هذه الأيام، والتي تتبعها أطراف محلية على شكل دبلوماسية خلط الأوراق وجني الثمار على طريقة الوجبات السريعة الجاهزة، ويجب أيضا ان تتجاوز هذه القراءة ملامح الشماتة وقاموس اللعنات المتبادلة، نحو حقيقة ما تقود إليه هذه التفاعلات الصراعية.
ومن باب التفاؤل، نقول بأن احد مسارات التحول يذهب نحو تعميق فكرة حسابات المكاسب والمخاسر، وإدارة خطوط التماس والمواجهات الباردة والساخنة كيفما تقتضي هذه الحسابات.
هذا التطور يحتمل فقدان التفاعلات بين أطراف النظام الإقليمي لهويتها واستعداد النظام لقبول حضور أطراف جديدة فاعلة فيه، ويحتمل أيضا إحداث تغيرات نوعية في قيم النظام يزداد فيها وضوح خطوط التماس في حسابات الخسائر والمكاسب. فالنظم والنخب تفعل ما تريد وتقوله لجيرانها أكثر من الميل نحو قول ما تريد ان تفعله لمجتمعاتها، هذه التحولات الجارية على قدم وساق في الهوية والفاعلين وقيم النظام، لم يتبين بعد غيها من رشدها، فبينما ما تزال بعض أنماط من الحرب الباردة العربية تعود إلى تراث الحرب الباردة العالمية تصعد تحولات أخرى جذرية في إدارة الصراعات، في ضوء ذلك تقرأ تفاعلات الحرب الباردة على الطريقة العربية.
بيد ان التفاعلات الصراعية التي لم تتراجع منذ عدة عقود باتت تحمل تحولات جديدة غير مسبوقة تجاوزت فكرة انهيار نظرية الأمن القومي بأكملها، يمكن رصدها على ثلاث مستويات أساسية، أما المستوى الأول فهو ازدياد فعالية الأطراف الإقليمية في تحريك التفاعلات المحلية، وانتقالها من المستوى الطارئ والمؤقت إلى ممارسة ادوار أطراف أصيلة في إدارة صراعات المواقف والتداعيات السياسية والإعلامية، وهذا الواقع يفسر طبيعة مواقف ايران والولايات المتحدة في التعامل مع نتائج الحرب كما بدا الأمر في رفض إيران قرار مجلس الأمن وصولاً الى التحولات التي جرت على الساحتين اللبنانية والفلسطينية، وثانياً، سجلت الحرب تعميق ظاهرة الانشقاق البطيء والغامض داخل صف دول الموالاة للغرب والذي يقرأ على أساسه البحث عن ادوار جديدة، وثالثاً انتقال التفاعلات الصراعية الباردة من مستوى الدول إلى الكيانات والقوى والنخب السياسية، وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة موجودة في السابق، لكن ما تقدمه الحالتان اللبنانية والفلسطينية جعل هذه القوى ترتقي إلى مستوى الفاعلين الأساسيين، ومن العيار الثقيل الذي يتجاوز مفاهيم الدولة والسيادة وقيم العلاقات الدولية التقليدية.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد