مكافحة الفساد من أهم أولويات الأردنيين. والحرب على الفاسدين عملية سياسية، إضافة إلى أبعادها القانونية والإدارية، والجهات التي تتصدر إدارة هذا الملف تقوم بعمل مرتبط بالاستقرار السياسي أولا، إضافة إلى الأبعاد المالية والاقتصادية لمحاربة الفساد.
لكن هذه المعركة الوطنية على الفساد يجب أن تكون كلها فوائد وإيجابيات، وأن نتجنب أن تكون هنالك آثار جانبية كبيرة، وبخاصة على البعد الوطني العام. وهذا يدفعنا إلى أن نرسم تعاملا سياسيا وإعلاميا وقانونيا وشعبيا يحقق الهدف وهو محاربة الفساد، ويجنبنا الآثار السلبية. ولعل ما نحتاجه مسارات متوازية بالاتجاهات التالية:
* تحقيق الحد الأعلى من تجفيف منابع الفساد بكل ما يحتاجه هذا من أداء رفيع لهيئات الرقابة والمكافحة أو بناء مؤسسية أو وضع وتعديل تشريعات.
* أن يتم تقديم كل من يثبت بحقه فساد إلى القضاء حتى نحارب الفاسدين وليس الفساد.
* أن يرى الناس عقوبات قانونية رادعة بحق كل فاسد ليكون الأمر عقوبة له وردعا لغيره.
* أن تكون محصلة هذا أن يصبح ثمن الفساد كبيرا، وأن يفكر أي شخص طويلا قبل ممارسة أي فساد لأن أمامه احتمالا كبيرا لدفع الثمن من ماله وحريته وسمعته.
* وفي موازاة هذا، علينا أن نحافظ على ثقة الناس بالمؤسسات والأشخاص، لأن الحديث العام أو إطلاق الأحكام من دون تخصيص ومن دون أدلة أو إثباتات، أو الركون إلى الانطباعات وأحاديث المجالس من دون امتلاك أدلة سيصل بنا إلى أن نكون كلنا فاسدين، وأن نصل في النهاية إلى انطباع أو حكم عام بأن كل المؤسسات تدار بالفساد، وأن كل شخص تولى مسؤولية فاسد ومرتش وأكل مال الدولة. وهذه الأحكام العامة يستفيد منها الفاسد الحقيقي، لكن أخطر نتائجها أننا سنفقد الثقة بكل شيء، وأن الجميع سيكونون متهمين في نظر الناس، وأن الثقة بالمؤسسات ستضعف، وهذا إضعاف للدولة وصورتها ومفاصلها الأساسية.
الفساد موجود بوجود البشر، وليس هناك حرب توقف الفساد تماما، لكن الحرب الناجحة تغلق أبواب الفساد وتبني منظومة أخلاق تردع وتشريعات تحاسب. وإذا أردنا نجاحا، فليس هناك نجاح اليوم فقط بل نريد مؤسسية تردع الفاسد وتعاقبه وتغلق الأبواب أمامه، وهذا مسار وليس إجراء. لكن إلى جانب هذا علينا أن لا نتعامل بتعميم يكون ثمنه إدخال كل الدولة في قفص الاتهام، ونلحق ظلما بمؤسسات كبيرة أنجزت وبنت الدولة، وغالبية منا جميعا تعاملت بشرف ونزاهة في كل مواقعها من أعلى هرم المسؤولية إلى أدناه.
الحذر والتعامل القانوني يجنبنا أن تصبح الحرب على الفساد يشوبها الفساد، لأن الاتهامات العشوائية التي تفقدنا الثقة بكل شيء فساد في الاتهام، ذلك أن الفاسد الحقيقي يرتاح عندما "تضيع الطاسة" ويصبح الكل فاسدين وكل المؤسسات غارقة في الفساد.
الحرب على الفساد ليست خاصة بمرحلة زمنية، بل لابد أن تكون عملا يوميا للدولة والمجتمع، ولا تعارض بين حرب قوية مؤسسية بلا هوادة على الفساد والفاسدين وبين مسار مواز نتجنب فيه أن يفقد الناس الثقة بكل الأشخاص والمؤسسات، بل إن المؤسسية تعني أن نحارب الفساد في موقعه من دون تعميم أو اللجوء لحرب شعارات.

المراجع

الموسوعة الرقمية العربية

التصانيف

جريدة الغد   صحافة  سميح المعايطة   العلوم الاجتماعية